أخبار وتقارير

الحوكمة.. أبعاد خمسة لأداء جامعي أفضل في العالم العربي

في الوقت الذي تنتشر فيه أخبار أحدث التصنيفات للجامعات والمؤسسات التعليمية، قدمت إحدى المؤسسات بديلا جديدا. إذ يعمل البنك الدولي بالتعاون مع شركاء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على ابتكار نظام قياس لمكون مؤسساتي رئيسي: الحوكمة.

 إن الحوكمة مهمة بالطبع، لأنه بدون وجود إدارة فعالة فإن إحداث تطوير داخل المؤسسة سيكون محدودا.

 في الأسبوع الماضي، اجتمع العشرات من موظفي البنك الدولي مع أساتذة وباحثين في قطاع التعليم العالي في واشنطن لمناقشة كتاب جديد عن نماذج حوكمة التعليم العالي. وانضم إليها العديد من نظرائهم العرب من خلال بث حي عبر الانترنت.  يأتي الكتاب، قياس الحوكمة كأداة لتعزيز التغيير، وهي نتيجة عمل بحثي استمر أكثر من ثلاث سنوات وركز على تحسين نوعية وأهمية التعليم العالي في المنطقة، وقام به مركز البنك الدولي للتكامل المتوسطي.

 وأوضحت الكاتبة أدريانا خاراميو، كبيرة الاختصاصيين التعليم في البنك الدولي، أن الطلب على فهم ما تقوم به حوكمة التعليم العالي جاء فعلا من القيادات الجامعية والحكومية المشاركة. وقالت إن البنك الدولي “يعتقد بحاجة القادة على تحمل المسؤولية، سواء كانوا إداريين في الجامعات أو الحكومات”.

 وهو ما أكدته كرمة الحسن، من الجامعة الأميركية في بيروت، “الحوكمة أمر حاسم لأية مؤسسة ترغب بتحسين نتائج عملها. لم يتم تناول هذا الموضوع من قبل، لذلك كانت جميع المؤسسات المشاركة حريصة جدا على معرفة النتائج والمشاركة في استطلاعات الرأي”.

 وشاركت مئة جامعة في المشروع النهائي، من الجزائر، مصر، العراق، فلسطين، لبنان، تونس والمغرب. وضمن كل دولة، جمع المؤلفون مجموعة متنوعة من الجامعات الرسمية والخاصة، القديمة والجديدة، والمؤسسات الشاملة والمتخصصة.

وضمت المؤسسات الجامعة الأميركية في بيروت، وهي جامعة خاصة وعريقة في لبنان،  جامعة الحسن الثاني، وهي جامعة وطنية شاملة في الدار البيضاء، كلية البحر المتوسط لإدارة الأعمال في تونس، وهي مؤسسة خاصة صغيرة شابة متخصصة في مجال الأعمال والإدارة.

https://www.bue.edu.eg/

 كان التوصل إلى منهج لقياس حوكمة الجامعات أحد التحديات الأولية خاصة وأنه يختلف داخل البلدان وفيما بينها. وقد ركز البنك الدولي على خمسة مجالات هي: الإطار، الإدارة، المشاركة، المساءلة، الاستقلالية. يشير الإطار إلى كيفية تعريف مهمة الجامعة بشكل محدد والإجراءات المتخذة لترسيخها. وأشار المشاركون إلى كيفية مشاركة المعنيين وأصحاب المصلحة في عملية صنع القرار داخل الجامعة. وطُلب من الجامعات المشاركة استكمال تنفيذ استبيان يتضمن 45 سؤالا، يغطي كلا من الأبعاد الخمسة.

 وقالت كرمة الحسن إن التفكير بالحوكمة من خلال الأبعاد الخمسة “وسع حقا فهمنا لماهية الحوكمة، ونبهنا إلى أهمية المشاركة في الحوكمة”، موضحة أن الاستماع إلى أصوات الطلاب وأرباب العمل في الحوكمة لم يكن شيئا ذو أولية كبيرة في السابق.

 ويكشف الكتاب عن أن حوكمة الجامعة تندرج عموما ضمن نموذجين واسعين من الحوكمة: الخاص والعام. فالجامعات الحكومية تملك عادة مهام رسمية واضحة المعالم، ولكن الحكم الذاتي منخفض ومستويات المساءلة متدنية. أما الجامعات الخاصة وتلك المؤسسات العامة التي تعمل وفقا للنموذج الخاص فإنها لا تملك تحديدا واضحا للمهام إلا أن لديها مستويات عالية من الحكم الذاتي والمساءلة.

ولفت التقرير أيضا أن 10 جامعات في المنطقة سجلت درجات عالية في جميع الأبعاد الخمسة للإدارة، وأطلق عليها “جامعات الحكم الرشيد” من دون أن يسمي هذه الجامعات والتي تضم جامعات من كلا القطاعين العام والخاص في بلدان مختلفة، سبعة منها جامعات حكومية، خمسة منها في المغرب، واحدة في مصر، وأخرى في فلسطين جنبا إلى جنب مع ثلاث جامعات خاصة في لبنان.

“من المهم أنه في نفس البلد، لدينا أداء عال، مساءلة عالية أداء منخفض، وبالتالي هذا ليس مرتبط بالسياسة الوطنية ولكن بالإدارة” قالت خاراميو.

استجابة لمتطلبات المشروع، قامت جامعات في المنطقة بمجموعة إصلاحات مثل وضع خطط استراتيجية خاصة بها، إدخال سياسات جديدة لدفع بدل التعليم وأجور أعضاء هيئة التدريس، وإصلاح الموارد البشرية والممارسات الإدارية. ولكن الكثير منها لا يزال يواجه عقبات وطنية تجعل التحسين أمرا صعبا. فالجامعات في المغرب، على سبيل المثال، ملزمون باستقبال العديد من الطلاب الجدد بحسب التركيبة السكانية وسياسات البلد، كما أن لديهم سن تقاعدي إلزامي للأساتذة يجعل من الصعب إيجاد بدائل عنهم.

 استنادا إلى المعايير الخمسة، أنتج المشروع أيضا بطاقة اختبار لكل جامعة والاتجاهات السائدة في كل دولة، والتي تسمح بالمقارنة بين حوكمة الجامعات مع نظرائهم في الدول الأخرى. ويشدد مؤلفو التقرير أن بطاقة الاختبار ليست هي نفسها نظام التصنيف.

 وأكد ألن روبي، وهو زميل أول في شعبة التعليم العالي بكلية التربية في جامعة بنسلفانيا، والذي تحدث بوصفه محاور، أهمية نهج القياس على العكس من التصنيفات البسيطة.  “اتخذ البنك الدولي نهجا للقياس، لمقارنة المؤسسات عبر الأبعاد، وهو ما يختلف تماما عن الدرجات والترتيب. إنها الأداة التي يمكن استخدامها لتحسين التعليم العالي” قال روبي.

 وشرح روبي أن منهج بطاقات الاختبار “يوفر اختبارا للواقع” للمؤسسات الفردية، لمقارنة أدائها حول حوكمة الجامعات والذي يمكن أن يؤدي إلى المراجعة الذاتية والتقدم.

 كما يوفر منهج بطاقة الاختبار لغة مشتركة للمدراء والمسؤولين، يمكن أن تعزز التواصل بين مجتمعات المهنيين وتعطي صانعي السياسات أداة لدراسة كيفية أداء مؤسساتهم ومقارنتها بتلك الموجودة في الدول الأخرى.

تم بث حفل الإعلان عن الكتاب مباشرة على شبكة الإنترنت، مع وجود 25 مشاركا إضافيا من مختلف أنحاء العالم الذين حضروا الحدث تقريبا. وشارك أيضا مدراء جامعات وباحثون من مصر، المغرب، الجزائر، تونس، فلسطين والعراق في الحفل عبر سكايب.

 وقال مسؤولون في جامعات الدول المشاركة إن التجربة كانت مفيدة. إذ أكدت كرمة الحسن أن المشروع “نبهنا إلى تنوع نماذج الحوكمة الموجودة، ونحن نقدر الاختلافات في هذه النماذج”.

 وبالمثل، دعت من تونس، ليلى التريكي من كلية البحر المتوسط لإدارة الأعمال إلى استكمال الجهود التي تبذلها كلية إدارة الأعمال في التأمل الذاتي  و”تسليط الضوء على المناطق التي يمكن أن تتطور”.

 لا يسعى الكتاب إلى ربط الحوكمة بنتائج الطالب الجامعية، ولكن هذا هو اتجاه الأبحاث المستقبلية المحتملة. “نود ربط الحوكمة مع الأداء، ولكن لدينا نقص في المعلومات.. البيانات نادرة”، قالت خاراميو. في المستقبل، يأمل البنك الدولي بدراسة نماذج حوكمة التعليم العالي في البلدان والمناطق الأخرى، والتي جمعت هذه البيانات على نحو أكثر انتظاما.

 يشار إلى أن الكتاب متوفر على شكل PDF على موقع مركز مرسيليا للتكامل المتوسطي باللغتين العربية والإنكليزية.

*اليزابيث باكنر، طالبة مرشحة لنيل شهادة الدكتوارة في التعليم الدولي المقارن في جامعة ستانفورد . حصلت اليزابيث على منحة فولبرايت للمغرب في عام 2006، حيث عملت على دراسة التعليم العالي في الأردن، وتونس، والمغرب، وسوريا، إلى جانب عملها في التدريس في هذه الدول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى