أخبار وتقارير

موجة الأدب المصري الجديد.. ودور الجامعات المفقود فيها

ذات مساء يوم جمعة ربيعي، تجمع جمهور صغير في ساقية الصاوي بمنطقة الزمالك في القاهرة حول أميرة حسن الدسوقي، يتزاحمون لشد اهتمامها.

ساقية الصاوي، التي كانت مكبا للنفايات وتم تحويلها إلى مركز ثقافي، كانت تعقد مهرجانها الأول للكاتب بمشاركة مجموعة من الكتّاب الذين لا يزالون في سن المراهقة. كان جمع من الجمهور الفتي من جميع أنحاء مصر ينتظر كتّابا مثل الدسوقي لتوقيع مؤلفاتهم والحديث عن أعمالهم.

تنتمي الدسوقي إلى جيل جديد من الكتّاب الشباب ظهر خلال العامين الماضيين، وانطلق مع سقوط نظام حسني مبارك عام 2011. ففي وقت كانت فيه الساحة الأدبية المصرية تتنامى لبعض الوقت، تحدت هذه الأصوات الجديدة الأعراف المجتمعية واللغوية وخاضت في موضوعات كانت من المحرمات سابقا.

“الكثير من الكتّاب الذين ينشرون اليوم كانوا يخشون ذلك من قبل” قال تامر عبد الحميد، كاتب ومخرج مصري، مضيفا أن “عددهم إلى ازدياد”.

تدعم دور النشر الخاصة هذا النمو، خلافا لما حدث في العقود السابقة، حين كانت الجامعات تلعب دورا بارزا في هذا المجال. إذ دعمت الجامعات كتّابا ومثقفين أمثال طه حسين، عميد الأدب العربي، أستاذ التاريخ في جامعة القاهرة، العميد المؤسس لجامعة الإسكندرية والناقد الأدبي، فترة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي. إلا أن دور الجامعات في الحياة الأدبية في مصر تضاءل بشكل ملحوظ.

“لا تساعد الجامعات المؤلفين على نشر أعمالهم”، قالت الدسوقي. وأضافت “فقط يمنحون الشهادات”.

ويعتقد كثيرون أنه من غير المرجح أن تكون الجامعات قادرة على المشاركة في الموجة الجديدة للنشر على الإطلاق.

“الجامعات اليوم ليست في وضع يمكّنها من دعم هذه المبادرات”، قال حسين حمودة، أستاذ مساعد في قسم الحضارة العربية والإسلامية في الجامعة الأميركية في القاهرة.

في نيسان/أبريل، نظم حمودة ملتقى للكاتبات في الجامعة الأميركية في القاهرة، وهي جزء من مجموعة فعاليات أدبية تم تنظيمها في حرم الجامعة. وفي مقارنة مع حدث ثقافي يجري في غرفة واحدة في ساقية الصاوي، فإن حوالي عشرة طلاب حضروا الملتقى في الحرم الجامعي الجديد في القاهرة البعيد عن وسط المدينة.

على الرغم أنه خارج أسوار الجامعة، هنالك موجة من النشاط الأدبي، دور النشر، توقيع الكتب والصالونات الأدبية. أحمد رحمي، مدير عام سلسلة مكتبات ألف، والذي حضر الحدث الأخير في ساقية الصاوي أكد أن مبيعات الكتب شهدت ازديادا بمقدار أربعة أضعاف على الأقل منذ قيام الثورة.

وفي وقت تسيطر فيه المؤلفات غير الروائية على المطبوعات، بما في ذلك السير الذاتية عن الثورة، تنتشر أيضا مجموعة من المواضيع حول: الليبرالية، العلمانية القصص المصورة والقصيرة ذات المحتوى المحظور المتدرج من الجنس الصريح وحتى الأدب الإسلامي.

“هناك المزيد من المنافسة، من جميع الجوانب، من الليبراليين إلى الإسلاميين، الذين اعتادوا على أن يكونوا.. في السجن”، قال رحمي مقهقها. وأضاف “الآن لديهم مساحة للتحدث والكتابة، والتعبير عن أفكارهم وتجاربهم”.

وقال البعض أن لغة الأدب تغيرت أيضا.

“قبل الثورة، كان هناك الكثير من الروايات العميقة، والقصص القصيرة”، قالت أماني التفتناوي، مرشدة سياحية تترجم قصصا قصيرة روسية إلى العربية في وقت فراغها. “الآن يستخدمون لغة الشباب، لغة الشارع العامية. إنه أدب خفيف. إنهم يستخدمون اللغة العربية المعاصرة”.

وكان كتاب الدسوقي الأول، مجموعة من القصص القصيرة بعنوان “بس يا يوسف”، قد نشر بعد عام من قيام ثورة يناير وجذب انتباه القراء، الكتاب والنقاد. وحصد الكتاب المرتبة الثانية في مسابقة القصة القصيرة لمؤسسة ساويرس للكتّاب الناشئين، إحدى الجوائز الأدبية المرموقة في مصر.

“بس يا يوسف” يروي قصة امرأة شابة تبحث عن هويتها. وقالت أميرة إنها حرصت على إبقاء الشخصية الرئيسية بدون اسم ومجهولة الجنس بشكل متعمد (بطل الرواية لديه علاقات جنسية مع الرجال، وكذلك النساء في القصة)، بحيث يمكن للكثير من الناس التطابق معها.

على الطرف الآخر من المشهد، يؤثر صعود الأدب الإسلامي على نمو الحراك الأدبي بطرق غير مرحب بها دائما.

فقد ظهرت بعد الثورة كتب جديدة تحاول إعادة المجتمع المصري إلى ظروف من ثلاثة أو أربعة قرون مضت، بحسب ما قال حمودة من الجامعة الأميركية في القاهرة. “هناك خطاب جديد في المجتمع يقدم المرأة على أنها نوع من المحظيات، وهناك أيضا دعوة إلى عودة العلاقات الاجتماعية والسياسية التي كانت سائدة في العصور الوسطى”.

وهذا بدوره، يدفع المزيد من الكتاب الشباب إلى الانضمام إلى الصفوف الأدبية وجعل أصواتهم مسموعة.

عقدت جامعة عين شمس، في شراكة مع جامعة مانشستر، سلسلة من ورش العمل حول “المرأة المصرية الفنانة والكاتبة وثقافة المقاومة”.

من جهة أخرى، تركز دار الطباعة بالجامعة الأميركية في القاهرة، ناشر الجامعة الرئيسي في مصر، على الأحداث الجارية والتحاليل السياسية، وكتب اللغة. وقدمت الدار ضمن دليلها الربيعي عملا روائيا واحدا مترجما إلى الإنكليزية بعنوان “إيمو” ألفها الأديب المصري الشاب إسلام مصباح (29 عاما).

“لقاء صدفة على موقع فيسبوك يقودك إلى إيمي وعالمها السرّي من الأزياء الغريبة، الشرب، الرقص، الجنس والمخدرات”، بحسب ما قال توصيف الكتاب. وشمل دليل الدار أيضا أول رواية عُمانية مترجمة للغة الإنكليزية وعدد من الكلاسيكيات، بما في ذلك روايتي نجيب محفوظ الكرنك والأحلام.

وقال نايجل فليتشر جونز مدير دار الطباعة في الجامعة الأميركية بالقاهرة، عن طريق البريد الإلكتروني، إن مهمة المطبعة تتمثل في “تقديم صورة دقيقة باللغة الإنكليزية حول ما يجري في الشرق الأوسط” لجمهور دولي واسع النطاق.

وتنظم الجامعة الأميركية في القاهرة جائزة نجيب محفوظ السنوية لأفضل رواية عربية، ويصار إلى ترجمتها ونشرها من قبل دار الطباعة في الجامعة بالقاهرة. “أود كثيرا أن أرى جائزة مماثلة تدعم الكتّاب العرب الشباب في أعمالهم الأولى” قال فليتشر جونز، مضيفا “إلا أننا لم نتمكن حتى الآن من القيام بذلك”.

ورأى حمدي السكوت، والذي نشر موسوعة الأدب العربي الحديث عام 2007، أن الاضطراب السياسي في مصر أوقف خططه لطبعة جديدة منقحة. ففي الوقت الذي تقوم فيه الجامعة الأميركية في القاهرة برعاية أبحاثه، قامت دار الشروق للنشر بنشر كتابه باللغة العربية قبل خمس سنوات. وكانت هذه الدار الخاصة قد نشرت للعديد من الكتاب الأكثر شهرة بينهم نجيب محفوظ وجمال الغيطاني. “لا يمكنني متابعة ما يجري مع الشباب بعد الآن”، قال السكوت.

لكن العديد من الكتّاب والأساتذة يرثون غياب الحرية الأدبية والإبداعية في الجامعات الحكومية، بما فيها غياب دورات الكتابة الإبداعية في الجامعات الحكومية، مع وجود استثناءات قليلة. “ليس هناك شيء من هذا القبيل في مصر”، قالت الدسوقي، التي تخرجت من جامعة عين شمس. “لا يتم اعتبار مثل هذه النشاطات مهمة”.

وفي غياب الدعم الجامعي، ساهمت وسائل الإعلام الاجتماعي في تغيير سبل انتشار الأعمال الأدبية الجديدة في مصر. إذ أصبح العديد من المدونين كتّابا، ويعتمد الكثير من الكتّاب على فيسبوك وتويتر والمدونات الخاصة للترويج لأعمالهم المنشورة ومشاركة مقتطفات وترجمات منها.

بدأت غادة عبد العال، صيدلية، الكتابة على مدونة مغمورة قبل عام 2011 بعنوان “عايزة أتجوز”، ناقشت فيها ضغوط التي تتعرض لها للعثور على شريك في مصر. الضجة التي صاحبت المدونة، حولتها إلى كتاب مطبوع ومن ثم مسلسل تلفزيوني شهير.

“هذه النشاطات تساعد” قالت عبد العال في إشارة إلى مهرجان الكاتب حيث وقعت كتابها والتقطت العديد من الصور التذكارية. “كان لدي نادي للقراءة على الفيسبوك وكنا نلتقي كل بضعة أسابيع ولكن منذ قيام الثورة لم نلتقي بسبب وجود الكثير من المناسبات [الأدبية]”.

بالنسبة للجيل الأكبر سنا من المؤلفين، فإن الثورة الأدبية في مصر قد بدأت منذ سنوات. نشر علاء الأسواني روايته الشهيرة عمارة يعقوبيان عام 2002، والتي صورت حياة المستأجرين لعمارة وسط مدينة القاهرة، مبرزة التحول الاجتماعي والثقافي في مصر منذ ثورة 1952.

ويعتبر هذا الجيل من الأدباء أن تزايد عدد المؤلفين الجدد يبدو في بعض الأحيان مصدرا للشكوك. “لدينا عشرات من هذه [المذكرات أو الحسابات الجديدة] بعد الثورة، ولكن كم عدد الكتّاب الحقيقين الذين سيظهرون”، تساءل تامر عبد الحميد، 36عاما، والذي نشر روايته في كانون الأول/ديسمبر 2012 بعنوان “رخصة إقامة للمسلمين” حول حياة المصريين في السعودية، استنادا إلى تجربته الخاصة.

ولكن مفاهيم ما يشكل الأدب تتغير. وبالنسبة إلى بعض المؤلفين الجدد الذين يتناولون المواضيع المحرمة، لم يعد علاء الأسواني وغيره كبار الكتاب رموزا أدبية.

وقال طارق مصطفى (27 عاما)، مؤلف مجموعة قصصية بعنوان ” الشوارع الجانبية للميدان” [ميدان التحرير] أنه مهتم بإبراز أصوات الضعفاء. وقد نشر أول كتاب له من قبل دار الربيع العربي للنشر والتوزيع.

“التاريخ يكتب دائما من الرجال”، قال مصطفى، شارحا دوافعه حين التقينا في مقهى الحرية وسط القاهرة. “أريد أن أفهم كيف أثّرت الثورة على الحركة النسوية، والمنبوذين لسبب أو لآخر. إذا لم نبادر، سوف ننسى”.

إنه عمل جريء في مجتمع تناضل فيه الفئات المهمشة ليكون صوتها مسموعا، وحيث تعتبر المثلية الجنسية وصمة عار.

وقال مصطفى إنه لا يزال هناك عدد قليل من الاختراقات الأدبية، على سبيل المثال في الطريقة التي يتم بها تمثيل الشذوذ الجنسي. وينتقد مصطفى وغيره من الكتاب الشباب بعض الرموز الأدبية والطريقة التي يصورون بها شخصياتهم.

“قبل سنوات عديدة قدم علاء الأسواني شخصية صريحة لمثلي الجنس في روايته [عمارة يعقوبيان]، ولكن كيف تم تقديم الشخصية؟ كانت شخصية سيئة”، على حد تعبيره.

“فقد اعتبر الأسواني أن شخصية مثلي الجنس [حاتم] كان مثلي الجنس لأنه تعرض للاغتصاب من قبل خادم أسود عندما كان صغيرا”.

وحتى مع ذلك، فإن الكتّاب، مثل معظم المصريين، ما زالوا متأثرين بشدة بالاضطرابات السياسية ويحاولون الإستفادة منها. فمصطفى وغيره من الكتّاب الشباب الآخرين من الجيل الجديد لا ينظرون إلى الناشرين الأكاديميين أو دور النشر المعروفة بوصفها وسيلة لإيصال عملهم إلى جمهور أوسع أو لنشرها باللغة الإنكليزية. بالنسبة إليهم، التغييرات الحقيقية في الأدب وفي مصر ستستغرق مزيدا من الوقت، وستحتاج إلى إشراك قطاعات أوسع من السكان. “إن المجتمع لا يزال هو نفسه”، قال مصطفى، “ما أنا واثق منه هو أنني ذاهب عكس التيار”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى