أخبار وتقارير

طلاب جنوب الصحراء بين الترحيب والتجاهل

الرباط – في بداية كل عام دراسي، يتدفق مئات الطلاب من دول جنوب الصحراء إلى المغرب للالتحاق بالتعليم العالي، مما يعكس حجم المنح الدراسية السخية في البلاد في مختلف مجالات الدراسة.

غير أن الطلاب كثيرا ما يواجهون، بعد وصولهم، عنصرية تمنعهم من المشاركة في المجتمع المغربي، وأحيانا حتى في الحياة الجامعية.

“الاندماج في المغرب ليس بالأمر الهين”، قال ميشيل لوا طالب من غينيا وصل للمغرب قبل نحو عامين. وأضاف أن الشوارع ليست دائما آمنة للجنوبيين، متمنيا لو وجدت مباريات حيث يمكنه أن يلعب كرة القدم مع المغاربة.

لقد كان المغرب بلد الهجرة، وبوابة لأوروبا، على مدى عقود، إلا أنه أصبح الآن أيضا مركزا للهجرة والتعليم. إذ تمت صياغة اتفاقيات ثنائية مع بلدان جنوب الصحراء الكبرى، مثل مالي والسنغال، لإنشاء علاقات سياسية واقتصادية قوية.

ويأتي معظم طلاب جنوبي الصحراء الكبرى بناء على منح دراسية تمنحها الحكومة المغربية من خلال الوكالة المغربية للتعاون الدولي.

وارتفع عدد هؤلاء الطلاب على نحو متزايد على مدى العقود القليلة الماضية. ففي عام 1994، بلغ عددهم ألفا و40 طالب، في حين تجاوز عددهم اليوم 10 آلاف طالب وغالبيتهم قدموا لدراسة الهندسة والقانون والطب.

إلا أن طلاب جنوبي الصحراء يعانون من الصور النمطية التي لدى المغاربة عنهم والتي تربطهم بالإرهاب والدعارة والجريمة والاتجار غير المشروع. “هنالك حكم مسبق بأن أي شخص سوداء البشرة هو غير شرعي”، قال كميل دينيس، منسق في المجموعة المناهضة للعنصرية للدفاع عن الأجانب والمهاجرين، أو غاديم. ولفت إلى أن “الحصول على سكن أمر صعب للغاية”.

يدرس لوا، البالغ من العمر 23 سنة من كوناكري، غينيا، إدارة الأعمال في معهد التكنولوجيا في الرباط. ويحصل على 180 دولار شهريا كمساعدات مالية حكومية وقد قال إن السبب الرئيسي وراء اختياره للمغرب هو جودة الدراسة الأكاديمية، مضيفا أن الاندماج في الحرم الجامعي كان أسهل من الاندماج خارجه. فالعثور على شقة كان صعبا، كما قال، لذلك فإنه يعيش الآن في الحرم الجامعي.

“من الصعب جدا استئجار منزل.. معظم الطلاب في نهاية المطاف يجدون أنفسهم منهكين ويعيشون في أماكن غير آمنة”، قال لوا.

“عليهم الإقامة في أماكن بعيدة عن الجامعة مع مهاجرين غير شرعيين وحتى ولو لم يكن وجودهم في هذا البلد للأسباب نفسها”.

وترفع العديد من المباني في المغرب لافتات كتب عليها “ممنوع منعا باتا الإيجار للأفارقة”.

نشرت جوهرة بريان، طالبة الدكتوراه في جامعة فراي في برلين، دراسة عام 2009 عن طلاب جنوب الصحراء الكبرى في المغرب، تضمنت إجراء مقابلات مع نحو 150 شخصا للتعرف على تجاربهم. معظمهم، كما قالت، اختار الدراسة في المغرب بسبب مجموعة متنوعة من البرامج التي تدرس بنسبة كبيرة باللغة الفرنسية في الجامعات الحكومية وبنسبة أقل باللغة الإنكليزية في الجامعات الخاصة، وفي بعض الحالات النادرة بالعربية. وأضافت “بالنسبة للكثيرين، كان المجتمع المغربي مفاجأة فظة”.

وقالت “ما يمكن أن يكون صادما أكثر لهؤلاء الطلاب أنهم وصلوا إلى المغرب وهم معتقدين بأنه بلد إفريقي إلا أنه يتم تذكيرهم بشكل يومي أنهم من الأجانب وأنهم منبوذون بسبب لون بشرتهم”.

وبالنسبة لبريان فإن السبب الرئيسي وراء صعوبة اندماج هؤلاء الطلبة في الحرم الجامعي يكمن في حاجز اللغة. ففي حين أن معظمهم يتكلم الفرنسية، إلا أنهم لا يفهمون اللغة العربية المغربية. وقد أفاد طلاب من جنوب الصحراء الكبرى بأن بعض الأساتذة يتعمّدون التحدث معهم باللغة العربية، التي كثير منهم لا يفهمون، فقط بهدف مضايقتهم.

وأكدت بريان “أن الصدمة هي في معظمها ثقافية ولغوية”.

وأضافت بريان أن بعض الأساتذة يقومون أيضا بالإشارة للطلاب المهاجرين باسم “الأفارقة”، في إشارة لم يكونوا بالضرورة مدركين لها.

في الرباط، يعيش معظم طلاب جنوب الصحراء الكبرى في مساكن الطلاب الدوليين. ونظرا لأن معظم الطلاب الأجانب هم من جنوب الصحراء الكبرى، ويتم فصلهم عن بقية الجسم الطلابي، فإنه غالبا ما تتم الإشارة إلى سكن الطلاب الأجانب بـ”الحي اليهودي”.

“الطلاب المقيمين في الحرم الجامعي في الرباط يعيشون في مجتمع مغلق”، قالت بريان. “الآخرون، الذين يعيشون في الأحياء، يتمكنون في بعض الاحيان من خلق علاقات مع جيرانهم. عموما، تتمكن الفتيات من الاندماج بسهولة وسرعة أكبر”.

وقالت بريان إن “هؤلاء الطلاب غالبا ما يفوزون بجوائز في فصولهم الدراسية وأنا أعرف الكثير من الأساتذة الذين يشعرون بسعادة كبيرة لوجود تنوع بين الطلاب في الصف”.

وأضافت أن “عدد قليل جدا من الطلاب يبقى في المغرب بعد الانتهاء من الدراسة نظرا لأهمية الشهادات التي يحصلون عليها في بلادهم والتي بفضلها يجدون وظائف بسهولة”.

ليلى علوي، مصورة مغربية فرنسية، تعمل بحملة توعية تسلط الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرين في المغرب، قالت “عندما أمشي في الشوارع معهم، أسمع الناس تشتمهم، حتى أنهم دعوني عاهرة فقط لأنني أمشي مع شخص أسود”.

وقالت علوي، التي عملت من العديد من الطلاب على إنجاز ورشة عمل للفيديو والتصوير الفوتوغرافي في مهرجان سين للمهاجرين، إن المشروع سمح لها بلقاء العديد من الطلاب الذين لديهم تجارب ممائلة.

وأضافت أنه “من الصعب جدا بالنسبة لهم كسب أصدقاء مغربيين”. “إنهم متعلمون ويأتون إلى هنا بناء على منح دراسية ومن ثم يواجهون مفردات قاسية جدا في الشارع”.

سارت فتوشة كاسي، 21 عاما، من باماكو، مالي، على خطى أقاربها في الدراسة بالمغرب والتحقت ببرنامج إعلام وتسويق في معهد دراسات القيادة والإعلام الخاص في الرباط. وقالت إنها تتقاسم شقة مع طالبين، أحدهما من مالي والآخر من السنغال، في حي أكدال السكني في الرباط. وخلافا لمعظم طلاب جنوب الصحراء الكبرى في المغرب، فإن والديها يدفعان لها رسوم التعليم السنوية والبالغة ثلاثة آلاف و500 دولار.

“اخترت المغرب لأنه بلد مسلم، وكذلك لسهولة زيارة والداي لي”، قالت فتوشة. وأضافت “مع الأساتذة والطلاب، لم يكن الاندماج صعبا. معظمهم منفتحون لطفاء ويسهل التواصل معهم. إلا أن العالم الخارجي مختلف، وغالبا ما أتعرض لنظرات مزعجة وأسمع عبارات عنصرية”.

وأضافت أنها اضطرت لاختيار فصل دراسي صعب يتعلق بالصور النمطية المرتبطة بالأفارقة السود.

وقالت فتوشة “في أحد الايام، تطوعت في إحدى المدارس الابتدائية لتعليم الأطفال المناظرة”، مضيفة “لقد لاحظت أنه عندما جاء دوري، لم يرحب أحد بالعمل معي. وعندما سألت عن السبب، قالوا لأننا خائفون، نحن لم نر أبدا أي شخص بهذا السواد”.

كاسي ولوا يقولان على حد سواء إنه وعلى الرغم من الأوقات الصعبة التي عاشاها، هما سعيدان بخبرتهما ويشعران بأنهما تعلما الكثير.

“أريد أن أنهي دراستي في المغرب”، قال لوا، الطالب من غينيا. ” لقد أثرتني التجربة المغربية. وأود أن أوصي للآخرين بها، سيكون من البخل عدم مشاركتها معهم”.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى