أخبار وتقارير

العنف القبلي يهدد الجامعات الأردنية الرسمية

عمان- اندلعت اشتباكات مسلحة بسبب نعرات قبلية بين طلاب الجامعات هذا العام، وأودت بحياة خمسة أشخاص حتى الآن. وتهدد هذه الصراعات جهود البلاد لبناء نظام موحد للتعليم العالي، كما دفعت بعض الطلاب إلى مغادرة البلاد.

“العنف ليس بجديد على جامعاتنا”، قالت صفاء شويحات، أستاذة التربية الوطنية في الجامعة الأردنية الألمانية في عمان، والتي أجرت بحوثا على العنف الطلابي.

“ارتفعت وتيرة العنف على مدى السنوات الماضية لأنه لم يتم أخذ الأمر على محمل الجد”، إلا أن بعض رؤساء الجامعات يعتقدون أن وسائل الإعلام تبالغ في تصوير العنف داخل الجامعات.

وكحال معظم الجامعات حول العالم، تبدو الجامعات الأردنية أكثر هدوءا خلال فصل الصيف. غير أن العنف في الجامعات لا يزال مستمراً. فمجلس جامعة مؤتة لا يزال ينظر في إمكانية إلغاء الفصل الدراسي الصيفي في الجامعة، حتى بعد طرده لـ16 طالبا بسبب تورطهم في الاشتباكات.

الاشتباكات العنيفة دفعت بعض الطلاب للبحث عن سبل أخرى لإتمام دراستهم خارج البلاد في الفصل المقبل. “لم يسمح لي والدي بالتسجيل في الفصل الصيفي”، قال علاء، طالب في إدارة الفنادق في الجامعة الهاشمية. وأضاف “حاليا، نبحث في إمكانية استكمال دراستي في الخارج”.

وكانت سلسلة من الاشتباكات قد اندلعت في وقت سابق من العام الحالي ممهدة الطريق للمزيد من المشاكل في وقت لاحق.

ففي 31 أذار/مارس، تحول الصراع بين اثنين من الطلاب في جامعة مؤتة، في محافظة الكرك على بعد حوالي 120 كيلومتر جنوبي عمان، إلى معركة بقنابل المولوتوف بعد وصول مسلحين من العشائر لمساندة الطالبين. انتهت الاشتباكات بوفاة طالب في كلية الهندسة مختنقا بالغاز المسيل للدموع الذي ألقته قوات الأمن لتفريق الأطراف المتقاتلة. وعُلقت بعدها الدروس وأعلنت فترة حداد، لاحقا تم عقد هدنة قبلية مؤقتة لحل الخلاف، وقامت الشرطة بتسجيل الحادث ضد مجهول لحل الخلاف وديا وتجنب الظهور بمظهر المتحيز.

في 29 نيسان/أبريل، تحول يوم جامعي عادي في جامعة الحسين بن طلال في معان جنوبي عمان إلى معركة مفتوحة. إذ تدخل أنصار للطلاب مسلحين في اشتباكات ومعهم حجارة وسكاكين، وخناجر وعصي وأسلحة آلية. وتوفي أربعة أشخاص، بينهم أستاذ، وأغلقت الجامعة أبوابها لمدة شهر.

ويبلغ العنف أشده في تسع جامعات حكومية في الأردن، بخاصة خارج العاصمة عمان، في الجنوب. هناك، تملك القبائل حضورا قويا في تشكيل هوية الطلاب خارج أسرهم المباشرة. إضافة إلى ذلك، فإن التوترات القبلية تمتد إلى الانتخابات الطلابية.

قامت صفاء شويحات، المدرسة في الجامعة الألمانية الأردنية، بتوزيع استبيان حول العنف على ألفين ومئة طالب وطالبة عام 2008. ووجدت أن أكثر من 10 في المئة من طلاب الجامعات في البلاد شاركوا بحوادث العنف، مضيفة “يجب علينا ألا ندفن رؤوسنا في الرمال بعد الآن”.

كما سجلت إحصاءات غير رسمية حصول أكثر من 50 اشتباكا داخل الجامعات بين كانون الثاني/ يناير ونهاية نيسان/ أبريل، وفقا للحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة (ذبحتونا)، وهي مجموعة طلابية مستقلة تعمل على مراقبة السياسات الجامعية المتعلقة بالحياة الطلابية. ويشير تقرير الحملة إلى أن الحوادث مرتبطة بشجارات على خلفية انتماءات قبلية وتمثلت بمشاركة عدد كبير من الطلاب وألحقت اضرارا في ممتلكات الجامعات.

إلا أن رئيس الجامعة الأردنية، خليف الطراونة رأى أن العنف الجامعي ليس بالمشكلة الخطيرة.

وقال في ندوة عقدت في عمان الشهر الماضي لبحث سبل إنقاذ التعليم في المملكة “إنه مجرد سلوك متهور فقط”.

وأضاف أن 700 طالب فقط من أصل عشرات الآلاف شاركوا في أعمال الشغب. وأوضح أن جامعته اعتمدت خطة جديدة تسعى لمنع العنف في الحرم الجامعي وتتضمن زيادة عدد حراس الأمن.

في 30 أيار/مايو، أعلن مجلس التعليم العالي في الأردن، وهي هيئة حكومية اتحادية، عن خطة مماثلة لمنع العنف الجامعي. إذ كشفت تحقيقات المجلس عن ضعف حراس الأمن الجامعي وقلة خبرة موظفي شؤون الطلاب في التعامل مع صراعات الطلاب. وشجع المجلس على إيجاد تدريب أفضل للموظفين وإنشاء حرم جامعي أكثر أمنا مع زيادات عدد كاميرات المراقبة. كما أعلن عن ربط فرص العمل بعد التخرج بسلوك الطالب في الحرم الجامعي. على المدى الطويل، تدعو الخطة إلى خلق وعي يقوم على الحوار في الجامعات وإعادة النظر في التشريعات الجامعية. كما اقترحت الخطة ببساطة التأكد من فرض سيادة القانون وتفعيل العقوبات المتخذة ضد أولئك الذين يبدأون بالعنف.

يعتقد وزير سابق للتعليم العالي في الأردن، وليد المعاني، والذي شغل منصب وزير التربية والتعليم العالي من شباط/ فبراير 2009 حتى شباط/فبراير 2011، أن العنف في الجامعات يرتبط مع ما يجري في بقية المجتمع الأردني. “لا يستطيع المرء فصل العنف في الجامعات عن المجتمع ككل”، كتب المعاني كتب في وقت سابق من هذا الشهر في مجلة الكترونية.

وكان البرلمان الاردني نفسه قد شهد مؤخرا خلافا بين بعض أعضائه قام فيه أحد النواب بسحب مسدسه على خصومه. “مزاج الجمهور العام والمصاعب الاقتصادية التي يعاني منها الكثيرين تدفع إلى سلوك قبيح يبلغ ذروته من خلال تدمير الممتلكات العامة، بما في ذلك الجامعات”، كتب المعاني.

ووفقا لتقرير الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة، فقد شملت 90 في المئة من المعارك تخريب الممتلكات الجامعية، مما يدل على أن الطلاب ليس لديهم شعور بالانتماء إلى جامعاتهم. “مثل هذا السلوك يجعل المرء يتساءل ما إذا كان هؤلاء الطلاب يشعرون أنهم ينتمون إلى البلاد ككل أو ينتمون فقط لمجرد أقلية في قبيلتهم”، قال عامر القاضي طالب ماجستير في كلية التربية. ويلوم القاضي سياسات القبول الجامعية الأردنية، التي تمنح إعفاءات وتقدم مقاعد دراسية للطبقات الفقيرة وأبناء أفراد الجيش وأبناء المعلمين في الجامعات الأردنية الرسمية.

“جميع حوادث العنف التي جرت في الجامعات الحكومية وقعت من قبل الطلاب الذين تم قبولهم بشكل استثنائي” قال القاضي، معبرا عن اعتقاد سائد لدى الكثيرين. إذ أعرب الكثير من المعلقين عن أن الطلاب ونتيجة اعتمادهم على خلفياتهم القبلية للحصول على قبول جامعي يشعرون بأنهم محميون من العقوبات بغض النظر عن مدى سوء سلوكهم. في حين قال آخرون إن هذا التحليل هو مجرد تبسيط وأن إلقاء اللوم في أعمال العنف على ساسيات القبول الجامعية ناتج عن تحامل اجتماعي فقط.

تشير احصاءات “ذبحتونا” إلى أن 90 في المئة من الاشتباكات داخل الجامعات اندلعت في أقسام العلوم الاجتماعية، حيث يكثر عدد الطلاب القادمين من المدارس الثانوية العامة ذات المعايير التعليمية الضعيفة، خاصة وأن متطلبات القبول لهذه التخصصات ليست مرتفعة.

في المقابل، يشير تقرير عن الجامعات الأردنية صدر مؤخراً من قبل مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني أن التحديات الأمنية والسياسية كانت “أكبر عقبة” تواجه الطلاب الدفاع عن حقوق الإنسان.

من جهة أخرى، تجبر أحداث العنف الآلاف من الطلاب الأجانب إلى ترك الجامعات الأردنية. إذ أعلن الملحق الثقافي السعودي في الأردن مؤخرا عن نقل المنح الدراسية السعودية إلى بلدان أخرى في ضوء أحداث العنف الأخيرة. ووفقا لتقارير نشرت مؤخرا في وسائل الإعلام الأردنية، فإن الملحقية الثقافية السعودية تشرق على نحو 2500 طالب سعودي ضمن برنامج الابتعاث السعودي وحوالي 2300 طالب يدرسون على نفقتهم الخاصة.

“لا يمكن حل المشكلة من دون الاعتراف بالسبب الحقيقي” قالت شويحات، مؤكدة أن الافتقار لثقافة الحوار هو المتسبب الرئيسي. “طلابنا بحاجة لمعرفة كيف يعبرون عن أنفسهم بطريقة صحيحة وكيف يتحدثون ويتناقشون مع الآخر. نحن بحاجة لتعليم مهارات الحوار”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى