مقالات رأي

هل تساعد آخر ابتكارات الدورات التعليمية على الانترنت العالم العربي؟

على الرغم من الضجة المثارة حول المقررات الالكترونية المفتوحة ذات الالتحاق الهائل (MOOCs)، لاسيما في الولايات المتحدة، إلا أن فكرة تقديم دورات جامعية عادية مجانية على الانترنت هو تطور طبيعي لثلاث ظواهر قديمة: التعليم عبر الإنترنت والذي بدأ منذ أكثر من 10 سنوات؛ فكرة الموارد التعليمية المفتوحة والتي هي أيضا راسخة؛ ومفهوم المعرفة الحرة على شبكة الإنترنت والذي هو قديم قدم الإنترنت نفسه!

خلال مهامي المزدوجة كمطورة لهيئة التدريس في مركز التعلم والتعليم، ومدرّسة لتكنولوجيا التعليم بكلية التربية في الجامعة الأميركية في القاهرة، قررت أن أجرب المقررات الالكترونية المفتوحة ذات الالتحاق الهائل بنفسي. التحقت بأربع مواد خلال الصيف. بدأت في التفكير في إمكانات المقررات الالكترونية المفتوحة ذات الالتحاق الهائل في منطقتنا، حيث أظهر الشباب قدرتهم على تعبئة الجماهير للعمل السياسي من خلال التكنولوجيا.

تحمل المقررات الالكترونية المفتوحة ذات الالتحاق الهائل (MOOCs) العديد من الإيجابيات للمنطقة العربية منها القدرة على الوصول إلى العاطلين عن العمل والنساء والمتشوقين للتعليم من جميع الأعمار. ويمكن أن تصل إلى معلمي المدارس الذين لا يستطيعون الوصول إلى التعليم المستمر. إلا أن هناك أيضا العديد من السلبيات المحتملة، منها فقدان المعارف المحلية والسياق المحلي للمعرفة. الأهم من ذلك، على الرغم من سمعتها في الوصول إلى الجماهير، فإن هذه الدورات قد تعزز امتيازات النخبة. اسمحوا لي أن أوضح السلبيات والإيجابيات.

في منطقة لا تتمكن فيها بعض النساء من الدراسة في الخارج، سواء لأسباب اجتماعية محافظة، دينية، مالية أو عملية، فإن التعليم الالكتروني يوفر فرصا غير مسبوقة. تمتلك المقررات الالكترونية المفتوحة ذات الالتحاق الهائل القدرة على مضاعفة هذه الفرص، كما يتم تقديم هذه المقررات مجانا. هذه الدورات أضحت مفيدة بشكل خاص للنساء المحترفات اللواتي هن في إجازة أمومة أو اللواتي يرغبن في تعلم اختصاص جديد لكنهن غير قادرات على استثمار الكثير من المال والوقت. إن المرونة التي تتمتع بها مواعيد هذه الدورات مفيدة بشكل خاص لهؤلاء النساء لأنهن يستطعن الالتزام بها مع الإيفاء بالتزاماتهن العائلية.

البطالة بالتأكيد أمر صعب، لكن خلال فترات عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، يصبح الوضع أكثر صعوبة. في هذا الوقت، توفر المقررات الالكترونية المفتوحة ذات الالتحاق الهائل فرصة للتطوير المهني. إذ تعطي أي شخص لمحة عن حقل اختصاص مختلف تماما، في منطقة تغيير المهن فيها لا يزال غير مقبول على نطاق واسع. وعلى الرغم من أن هذه الدورات لا تقدم عادة شهادات جامعية بشكل مجاني، إلا أنها توفر الشهادات بالانجاز. ولكنني لا أرغب بإعطاء هذه الشهادات أهمية كبيرة، ذلك أن معظم هذه الدورات لا تقوم باجراء اختبار عميق لمستوى التعليم.

في المنطقة التي تنتشر فيها “عقدة الخواجة”، حيث كل شيء أجنبي يفترض به أن يكون متفوقا، وهي سمة ربما من بقايا التاريخ الاستعماري، تعزز المقررات الالكترونية المفتوحة ذات الالتحاق الهائل الهيمنة العالمية للتعليم باللغة الإنكليزية، خاصة في الجامعات المعروفة. إذ تميل الى اعطاء انطباع جيد حول قيام جامعة النخبة بمشاركة جزء من معرفتها المتفوقة مع بقية العالم مجانا، وعند القيام بذلك يكون في الواقع على حساب السياق المعرفي المحلي.

إنه أمر مثير للإعجاب مشاهدة دورة لجامعة هارفرد عن العدل ألقاها مايكل ساندل أستاذ علم السياسة لجمهور من طلاب الجامعة، والاستماع إلى مناقشاتهم الهامة. لقد قمت بالفعل باستخدام أجزاء من محاضراته في حلقات عمل لأعضاء هيئة التدريس، وسأقوم باستخدامها أيضا في الصفوف التي أدرسها.

https://www.bue.edu.eg/

هذه الدورة على الانترنت تسوق التعليم في جامعة هارفرد من دون أن تقدم التعليم الحقيقي لهارفرد. إنه يساعد على تصدير المعرفة الغربية المقدمة في هذه الدورات، وكذلك على تهميش المعرفة الإقليمية ذات الصلة. إن طلابنا النخبويين يسعون بالفعل للحصول على تعليم جامعي في مؤسسات غربية مثل الجامعة الأميركية في القاهرة والجامعة الأميركية في بيروت، ولكن هذه الجامعات على الأقل لديها خليط من أعضاء هيئة التدريس عربا وأجانب، وبعض درجات تعريب المعرفة.

يمكن لهذه الدورات أيضا أن تعمل على إعادة إنتاج عدم المساواة داخل المجتمع. ذلك أن المقررات الالكترونية المفتوحة ذات الالتحاق الهائل هي امتياز لأولئك الذين لديهم إمكانات أفضل للوصول إلى التكنولوجيا، ويمكن أن يشغلوا فيديو عالي الجودة، وأولئك الذين يعرفون كيف يستخدمون هذه التكنولوجيا ويمكن أن يستفيدوا من التفاعل مع الآخرين على منتديات المناقشة، وأولئك الذين لديهم خبرة سابقة بالتعلم عبر الإنترنت.

تجدر الإشارة إلى أن الحصول على التكنولوجيا في المناطق الريفية لا يزال محدودا في الغالب. داخل المنزل الواحد، يمكن أن يكون الحصول على التكنولوجيا متفاوتا بين أفراد العائلة، مع محدودية الوصول للتكنولوجيا للصغار بالسن والإناث داخل الأسرة. قد يتمكن الشباب الذكور من تحسين فرص الحصول على التكنولوجيا خارج المنزل من خلال مقاهي الانترنت.

حتى في المدن، الوصول إلى التكنولوجيا ليس بالأمر السهل. عام 2007، كنت في الولايات المتحدة لأقدم دورات متزامنة على الانترنت يشارك فيها طلابا من الولايات المتحدة والمنطقة العربية. إلا أن حجب الإنترنت في العديد من الدول العربية تسبب في تأجيل الدورة. وفي الآونة الأخيرة، اضطررت الى تحويل أحد الصفوف الحية الخاصة بي إلى جلسة على الانترنت بسبب عدم الاستقرار السياسي الذي تسبب في صعوبات في التنقل. لم أتمكن من عقد جلسة على سكايب بسبب بطء الاتصال بشبكة الإنترنت عند بعض الطلاب، واضطر بعض الطلاب إلى الانقطاع عن الجلسة بسبب انقطاع في التيار الكهربائي.

ومما يجعل من المقررات الالكترونية المفتوحة ذات الالتحاق الهائل مفيدة لذوي الامتيازات أيضا هو استخدامها الشائع للغة الانكليزية. إذ من المحتمل أن تكون محاضرات الفيديو صعبة المتابعة على بعض غير الناطقين بالانكليزية، لذلك تعتمد بعض الدورات نصا مكتوبا يفضل الطلاب استخدامه. كما ترجم بعض المتحدثين بالإنكليزية المحاضرات لبعضهم البعض. كما لجأ بعض الطلاب إلى استخدام أدوات الترجمة المتوفرة على الانترنت من أجل المشاركة في منتديات النقاش، بالرغم من أن النتائج غالبا ما تكون غير مفهومة تماما!

تعد شبكة كورسيرا واحدة من أكثر مواقع المقررات الالكترونية المفتوحة ذات الالتحاق الهائل شعبية، كما تم الاتفاق مع شركات لترجمة المقررات التعليمية إلى عدة لغات بما فيها العربية. لست متأكدة من الطريقة، ما إذا كانت ستتم أوتوماتيكيا أو سيقوم بها بشر، وما إذا كانت ستشمل وجود منتدى للنقاش… لكنني بالتأكيد أتطلع لمعرفة ذلك!

في منطقة تعتبر فيها الشهادات أكثر أهمية من المعرفة الفعلية والتعليم، تقدم المقررات الالكترونية المفتوحة ذات الالتحاق الهائل  بيانات إنجاز فقط لأولئك الذين يستكملون دوراتهم وليس شهادات معتمدة رسمياً. لذلك لا يبدو واضحا ما إذا كانت هذه الدورات ستحظى بشعبية واسعة. إلا أن إمكاناتها ستكون في السنوات المقبلة مثيرة للاهتمام والمتابعة ربما بتفاؤل حذر.

*مها بالي: تعمل بمركز التعلم والتعليم بالجامعة الأميركية بالقاهرة، وهي عضو هيئة تدريس مساعد في مدرسة الدراسات العليا للتربية والتعليم. وتقوم حاليا بإعداد رسالة الدكتوراه في التربية من جامعة شيفيلد بالمملكة المتحدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى