مقالات رأي

لا تخبرهم إنك تدرس الإسلام

ينشر هذا المقال بالتنسيق مع “تدوين للنشر” ومركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورجتاون، حيث تم نشر المقال في الأصل. الآراء المعروضة هي آراء الكاتب.

أعرف الآن ماذا يعني أن يكون لي ملفاً شخصياً.
كأميركي، رجل، أبيض البشرة، من أصول ألمانية، هذا أمر لم أعتد عليه. لسنوات، سافرت إلى دول كثيرة ولم تصادفني سوى مشاكل صغيرة جدا مع قسم مراقبة جوازات السفر (بالرغم من قلق اسرائيل من رحلاتي إلى الضفة الغربية من فلسطين). وقفت في طوابير المطارات، ابتسم لموظفي الجمارك، أجيب على بعض الأسئلة القليلة الروتينية (أراهن أنها تقول القليل جدا في الواقع لموظفي الجمارك عن المسافرين)، ليتم في نهاية المطاف ختم جواز سفر بالتأشيرة المطلوبة.

غير أنه بمطار هيثرو في لندن، إنكلترا، على ما يبدو قرر المسؤولون أن لدي ما أخفيه.
ففي 4 أيار/مايو الماضي، أعطيت جواز سفري إلى موظفين اثنين من الجمارك وخطاب قبول في برنامج دكتوراه في الدراسات العربية والإسلامية في جامعة اكسيتر. المسؤولان، سيدتان في العشرينات من العمر، ألقوا نظرة على الرسالة وما يحمله جواز سفري من أختام منحت لي خلال إقامتي لمدة عام في الأردن، ومن ثم… قاموا باعتقالي.

أرادت المسؤولتان معرفة سبب دراستي الإسلام، وكيف أغطي مصاريف هذه الدراسة، وما إذ كنت “أنوب” عن أحد كطالب.
أجبت “أنا أدرس العلاقات المسيحية الإسلامية والحوار في فلسطين”، مشيراً إلى خطاب القبول الذي يضم مضمون أطروحتي. “أنا أعمل بدوام كامل كمحرر في مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورجتاون، وبالتأكيد ليس لدي أي فكرة عما تقصدينه بسؤالك إذا كنت ‘أنوب’ عن أي شخص”.

على ما يبدو لم يكن الجواب الصحيح. إذ جعلوني أنتظر في الحجز لنصف ساعة، ثم دعوني إلى جولة أخرى من الاستجواب الذي أعادوا خلاله ما تناقشنا به سابقا. بعد بضع دقائق، طُلب مني العودة إلى الحجز.
وبعد نصف ساعة أخرى من الانتظار، بدأت أشعر بالتوتر. ماذا يجري؟ ماذا كانوا يفعلون؟

ثم نادوني للمرة الثالثة، هذه المرة اثنين من رجال الشرطة البريطانية في الزي الرسمي وصلا لاستجوابي. الأسئلة كلها كانت مألوفة ولكن الآن أكثر حدة. ماذا عنيت بالعلاقات الإسلامية المسيحية؟ ماهو نوع “الحوار” الذي أهتم به؟ هل يكفي المال الذي أجنيه من عملي في جورجتاون لتمويل دراستي في اكسيتر؟ هل هناك أي شخص آخر يمول دراستي؟ وماذا أريد أن أفعل بشهادتي في الدراسات الإسلامية؟

بعد نصف ساعة أخرى من هذا، قرر رجال الشرطة (أعترف بحقهم) أنهم كانوا يضيعون وقتهم. لكنهم سجلوا ملاحظات تفصيلية وأتوقع تماما أن توضع إشارة على ملفي فيصار إلى تفتيشي في رحلتي المقبلة إلى هناك.

قصتي ليست فريدة من نوعها. ذلك أن الكثير من الناس من أصول عربية (ناهيك عن المسلمين) يتعرضون لما هو أسوأ من ذلك بكثير. ولكن كما توضح قصتي، فإن أي شخص على اتصال بعيد بمنطقة الشرق الأوسط يتعرض لمضايقات كثيرة أيضا. أحد أصدقائي البريطانيين اشتكى بقوة من سلطات الهجرة الأميركية واستجوابها المستمر له (من دون أن يكون ذات صلة). أحد أصدقائي البريطانين المولود في القاهرة تم احتجازه من قبل سلطات الهجرة وطرحت عليه أسئلة حول طفولته في كل مرة يزور الولايات المتحدة. لذلك فقد كان ممتعا أن أشارك قصتي مع زملاء بريطانيين حول الترحيب السيء في مطار هيثرو. لا، ليس مسؤولو الهجرة الأميركية وحدهم الذين يشكّون في المسلمين أو أي شخص يدرس الإسلام.

ولكن إذا كانوا ليسوا وحدهم، إلا أنهم شركاء بالتأكيد. في آذار/مارس 2012، اعتقل طالب أميركي يحضّر لدراسة الماجستير في الدراسات الإسلامية في جامعة ماكجيل من قبل الجمارك وسلطات حماية الحدود، حينما كان يستقل القطار (أمتراك) من مونتريال إلى نيويورك، واقتيد مكبل اليدين إلى زنزانة جدرانها من الطوب، ثم خضع لاستجواب لمدة ثلاث ساعات. وعندما فشلت الشرطة في كشف أي شيء من شأنه أن يربطه بالإرهاب، تركوه، لكنهم احتفظوا بكمبيوتره المحمول. خلال زيارة لاتحاد الحريات المدنية وفريق من المحامين أقنع مسؤولو الجمارك وحماية الحدود بإعادة الكمبيوتر، ولكن فقط بعد أن نسخوا كل محتوياته.

في وقت، يعيش الجمهور غضبا بعد الكشف عن احتفاظ وكالة الأمن القومي بملايين الرسائل الهاتفية ومصادرتها للاتصالات الإلكترونية الشخصية، فإن قصصا كهذه قد لا تبدو خبراً مثيراً، لكنها تعكس الشك المتنامي إلى حد الجنون بين المسؤولين الحكوميين حول أي شيء متعلق بالإسلام أو العالم العربي، وتوحي بأن المسؤولين يفقدون المنظور الحقيقي لما يشكل خطرا حقيقيا على الناس.

أتساءل عما اذا كان قد حان الوقت لإجراء مكالمة هاتفية إلى السفارة البريطانية للاستفسار عما حدث لي. ولكن لدى التفكير في المسألة بطريقة أخرى، قد تنوي وكالة الأمن القومي تسجيلها.

*ستيفن غيرتس محرر وسائط إعلامية متعددة ومنشورات في مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورجتاون.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى