مقالات رأي

الجامعات العربية الخاصة.. وآمال بدور أكبر

يتوسع التعليم العالي الخاص بسرعة كبيرة في العالم العربي. الكثير من المؤسسات تستقطب الطلاب الأثرياء ذوي الأداء الضعيف، فيما تجذب أخرى أفضل المواهب من طلاب وأساتذة من الجامعات الحكومية. بدون تغيير في السياسات، ستزيد الجامعات الخاصة على الارجح  من حجم عدم المساواة في الحصول على الموارد وتسهم في تراجع نوعية التعليم العالي في الجامعات الحكومية.

ولكن قبل تحديد كيفية التخفيف من هذه الآثار، من الأفضل مراجعة مكانة التعليم العالي الخاص الحالية في العالم العربي.

إن التعليم العالي الخاص جديد نسبيا في معظم البلدان العربية، باستثناء لبنان وفلسطين. بدأت بعض البلدان، مثل الأردن وتونس، بخصخصة التعليم العالي مطلع ثمانينيات القرن الماضي. بينما بدأت سوريا بالتعليم العالي الخاص فقط بعد العام 2000. وعام 2009، أعلنت الجزائر أنها قد ترخص للجامعات الخاصة. إن التعليم العالي الخاص ينمو باضطراد وسيستمر.

معظم الجامعات الخاصة التي تأسست حديثاً هي ربحية، على النقيض من تلك القديمة مثل الجامعة الأميركية في القاهرة والجامعة الأميركية في بيروت، واللتين تم تأسيسهما من قبل إرساليات. في بعض البلدان، مثل تونس، يطلب من الجامعات الخاصة أن تكون للربح، لأنه لا يوجد تشريع قانوني قائم بالنسبة لجامعة خاصة غير هادفة للربح.

في بلدان أخرى مثل الأردن، تطالب الجامعات الخاصة قانونيا بأن تكون غير ربحية، إلا أن وجود ثغرات قانونية تسمح لهم بجني أرباح كبيرة. ينشئ المستثمرون شركات وهمية تستأجر أرض الجامعة والمباني العائدة لها بأسعار مرتفعة. وتتم هذه الممارسة على مرأى من الجميع وفي بعض الأحيان يكون المسؤولون الحكوميون من المساهمين.

غير أن هذا لا يعني أن كل الجامعات الخاصة لا تهتم إلا بالربح المادي. كثيرون يعرضون مؤسساتهم على أنها تقدم خدمات مبتكرة لتلبية الطلب على التعليم في ظل عدم قدرة الدولة على تأمينه. العديد من الجامعات الخاصة تهتم بسمعتها ونوعية التعليم الذي توفره.

والسمة المميزة الأخرى للجامعات الخاصة في المنطقة هو ارتباطها على نحو وثيق مع احتياجات سوق العمل الخاص. حتى أن بعضهم يقوم بتقديم التدريب لشركات القطاع الخاص، مثل جامعة العلوم التطبيقية في الأردن والتي أسسها أصحاب الفنادق لتقديم شهادة الفندقية والتدريب العملي داخل الفنادق التي يملكها ويشغلها مؤسسو الجامعة. هذا النموذج يمكن أن يساعد الدول العربية لتلبية احتياجات التدريب المتخصص، ولكن في الوقت نفسه، لا يمكن لمثل هذه المؤسسات أن توفر أسس أكاديمية أوسع من تلك التي تقدمها أيضا الجامعات الرسمية.

لأن الجامعات الخاصة تعتمد على الأقساط، فإنها تميل لأن تكون أغلى من الجامعات الحكومية، وبالتالي فإنها باهظة بالنسبة للكثير من العائلات. هذا يعني أنها تفتح مسارات جديدة للتعليم العالي للأثرياء، ولكنها غير متوفرة للفقراء. أظهرت دراسة في مصر أن التعليم العالي الخاص يساعد غالبا الطلاب الأغنياء ذوي الأداء الضعيف. إن نمو الجامعات الخاصة من دون وجود سياسات لتعويض التكاليف يحتمل أن يفاقم التفاوت الحاد الموجود في الالتحاق بالتعليم العالي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن معايير القبول في الجامعات الخاصة تميل لأن تكون منخفضة. في الأردن وتونس ومصر وسوريا، يسمح لجميع الجامعات الخاصة قبول الطلاب الذين فشلوا في الحصول على قبول في الجامعات الحكومية أو تم طردهم منها (كما في تونس).

ليس مستغربا أن ينظر للجامعات الخاصة بطريقة سلبية بسبب اعتمادها على الأقساط وتدني معاييرها الأكاديمية. في مقابلات أجريتها حول الجامعات الخاصة في الأردن وسوريا وتونس، انتقد البعض الجامعات الخاصة بوصفها “تبيع شهاداتها” أو أطلقوا عليها تسمية “المؤسسات التجارية وليس المؤسسات التعليمية”.

في الوقت نفسه، تسمح العديد من الجامعات الخاصة للطلاب بدراسة مواضيع لم يكن بإمكانهم دراستها في الجامعات الحكومية، أو بالدراسة في محيط باللغة الإنكليزية.

على سبيل المثال، قابلت شابا في سوريا عام 2009، قال لي “كل ما أعرفه عن الجامعات الخاصة هو أنه إذا كان هناك 20 طالبا في الصف، فإن هنالك 20 كرسيا”. كان يقصد أن الموارد التعليمية في الجامعات الخاصة أفضل منها في الجامعات الحكومية حيث لا يوجد أماكن للجلوس أو كتب كافية لكل الطلاب الأمر الذي يعيق عملية التعلم.

بالطبع فإن الدراسة في محيط باللغة الإنكليزية في بعض الجامعات الخاصة هو نعمة ونقمة، بطبيعة الحال. إذ يتمتع الطلاب بقدرات للعمل مع الشركات العالمية، ولكنهم يناضلون من أجل فهم المفاهيم الأكاديمية في اللغة التي هي عادة ليست لغتهم الأم.

توجد بعض الأدلة على أن الجامعات الخاصة يمكن أن تدفع الابتكار. على سبيل المثال، في تونس، تأسست أول كلية حكومية للدراسات العليا باللغة الإنكليزية، كلية إدارة الأعمال في تونس، عام 2010 في جامعة تونس. وتعتبر هذه المؤسسة رد القطاع العام على افتتاح مدرسة خاصة باللغة الإنكليزية لإدارة الأعمال “مدرسة البحر الأبيض المتوسط لإدارة الأعمال”، والتي افتتحت عام 2000 وتعتبر حاليا واحدة من أفضل كليات إدارة الأعمال في إفريقيا.

إن تدني نوعية التعليم العالي العام العربي يساعد الجامعات الخاصة على النمو. يمكن للجامعات الخاصة تقويض الجودة في المؤسسات الحكومية من خلال توظيف الاساتذة بأجور مرتفعة، وفي بعض البلدان، بسحب أفضل الطلاب. إن وزارات التعليم والجامعات الحكومية بحاجة إلى ضمان تقديم أجور تنافسية للأساتذة وتحميلهم مسؤوليات معقولة، الأمر الذي سيساعد الجامعات الحكومية على الحفاظ على أفضل وألمع أساتذتها. فبالنسبة للحكومات، فإن محاولة تقييد نمو المؤسسات الخاصة قد يؤدي إلى نتائج عكسية.

ولكن كيف يمكن للخصخصة أن تكون قوة ايجابية في مشهد التعليم العالي العربي؟ لا أدعي امتلاك أجوبة فورية ، إلا أنني أمتلك بعض التوصيات.

إذ ربما على وزراء التعليم إعطاء الجامعات الخاصة حرية أوسع لإنشاء برامج أكاديمية جديدة. وفي الوقت نفسه، يمكن لوزارات التعليم حث الجامعات الخاصة على تلبية معايير الجودة العالية وتشجيعهم على تحصيل اعتمادية وطنية ودولية لبرامجهم.

كما يمكن للحكومات السماح وتشجيع الجامعات خاصة الغير هادفة للربح على إنشاء أوقاف. ويمكن أيضاً تنظيم أرباح الجامعة من خلال وضع هامش أقصى للربح، في حين يتم استثمار باقي الإيرادات في أبحاث الكليات وتعلم الطلاب. ولتحسين فرص المساواة في الوصول إلى الجامعات الخاصة، يمكن أيضا إنشاء برامج للمنح الدراسية للطلاب سواء في الجامعات الحكومية أو الخاصة، مما يساعد على خلق مناخ يكافئ المؤسسات المتميزة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى