أخبار وتقارير

الطلاب السوريون: تقطعت بهم السبل في الخارج ومحاصرون في الداخل

كان ياسين، طالب سوري مرشح للحصول على شهادة الدكتواره في جامعة ادنبرة، يدرس في اسكتلندا منذ العام 2007، عندما تعرض لمشكلة مع قوى الأمن السورية خلال زيارة كان من المفترض أن تكون قصيرة لبلاده.

في آذار/مارس 2011، أعرب ياسين (تم تغيير اسمه لضمان سلامته) عن اشمئزازه عبر الفيسبوك من الأسلوب الوحشي الذي انتهجه النظام لمواجهة الاحتجاجات التي اندلعت في بداية الانتفاضة في البلاد. وبعد وصوله إلى سوريا، تم استدعاؤه لاستجواب في مكتب أحد المسؤولين من حزب البعث الحاكم في جامعة دمشق. وبعد فترة وجيزة، رتب عميد كلية لقاء لياسين وصفه الأخير بالفخ.

“قفز أربعة حراس مسلحين ببنادق الكلاشينكوف فوقي وقيدوني ووضعوني في سيارة” يقول ياسين. “تم اقتيادي إلى أحد فروع المخابرات، حيث تعرضت للتعذيب النفسي والجسدي، من ضرب ولكم وركل. تحدثوا مع زوجتي وأخبروها بأنني إذ لم أعترف فسوف يقومون بإحضارها واغتصابها أمامي”.

“كانوا يضربونني على باطن قدمي”، يقول متابعاً. “عندما نظرت إلى ساقي كانت أشبه بالباذنجان. جعلوني أشاهد شخصاً على كرسي التعذيب بالكهرباء. الأصوات كانت مرعبة، ما زلت أستطيع شم رائحة اللحم المحترق”.

اتُهم ياسين، من بين أمور أخرى، بانتسابه إلى جهاز المخابرات البريطاني، وتحريض المتظاهرين، والتعاون مع شخصيات مناهضة للنظام السوري من لبنان.

حاك ياسين قصصاً تحت وطأة التعذيب اعتبرت بمثابة اعترافات ودفع رشاوى لمسؤولين أمنيين بآلاف الجنيهات الاسترلينية. وأخيراً بعد ستة أسابيع من الاحتجاز، تم إطلاق سراحه وسمح له لاحقا بمغادرة البلاد، ليعود إلى اسكتلندا الصيف الماضي، محاولاً المضي قدماً في مسيرته كطالب في علم الوراثة. إلا أن استئناف حياته الأكاديمية كان صعبا.

“لفترة طويلة كنت في زنزانة انفرادية وعندما أطلق سراحي لم أكن مرتاحاً بمجالسة الناس” يقول ياسين. “كنت صامتاً طيلة الوقت، ما زلت أتذكر الأصوات والكوابيس والدماء على الأرض”.

تهديد بالفصل

في أمان، ولكن ليس في سلام، يعتقد الطلاب السوريون الذي يدرسون في الخارج كياسين، أنهم قد يكونون محظوظين لكونهم يعيشون على بعد أميال من الصراع الدموي الدائر في البلاد. ومع ذلك فإن الروابط العاطفية، الصدمات النفسية والخوف لا يزالون قائمين.

هل يمكننا البقاء هنا؟ ماذا يحدث لعائلتنا؟ هل يمكن أن تعود سوريا كما كانت؟ هل سأتمكن من العودة مجدداً لبلدي؟ هل أريد ذلك؟ هذه هي الأسئلة التي تلقي بظلالها عليهم.

وفضلا عن التحديات العاطفية، يظهر الكثير من التحديدات العملية. أحد طلاب الطب في ألمانيا يفيد بأنه لم يتمكن من مغادرة البلاد بسبب انتهاء صلاحية جواز سفره السوري، والسلطات السورية أعلمته بعدم إمكانية تجديده، حتى لو عاد إلى سوريا. (لاحقاً أعلنت الحكومة أنها سمحت باستصدار جوازات سفر جديدة).

بالنسبة للكثيرين مثل ياسين، كانت الحكومة هي الممول الأساسي لدراستهم حتى اندلاع الثورة وتوقف إرسال الأموال. إذ لم تعد البنوك في سوريا قادرة على إرسال أو استقبال أي حوالات مصرفية بسبب العقوبات الدولية، كما أن موارد الدولة في تراجع نتيجة الأحداث الدائرة. فوجد ياسين نفسه مفلسا تماما، في الوقت الذي كان يكافح للتعافي من آثار التعذيب الذي تعرض له ولاستكمال مسيرته الأكاديمية، كما يقول.

ولكنه كان محظوظا لتلقي دعما من جامعته، التي أعفته من رسومها وقدمت له منحة لاستكمال دراسته، وشيئا فشيئاً تمكن من لملمة حياته. زوجته وابنه الرضيع تبعاه إلى اسكتلندا، كما رزق بطفل آخر بعد فترة وجيزة، وقدم أطروحته قبل عيد الميلاد.

إلا أن جامعات أخرى كانت أقل دعماً.

https://www.bue.edu.eg/

“تعاملت بعض الجامعات بشكل جيد مع الطلاب السوريين، من خلال تأجيل الرسوم أو إلغائها مثلا”، يقول حسام حلمي (32 عاما) طالب دكتوراه في الاقتصاد في جامعة برونيل في لندن والمتحدث بإسم الطلبة السوريين في المملكة المتحدة، وهي مجموعة تدعم السماح للسوريين باستكمال دراستهم.

“ولكن يقوم البعض الآخر من الجامعات بإرسال رسائل إنذار للطلبة بوقف دراستهم، وبأنهم لن يتمكنوا من التخرج من الجامعة حتى يتم تسديد جميع الرسوم”.

ويلفت حلمي إلى أنه، وفي أعقاب اجتماع عقد مؤخرا مع فينس كابل وزير الدولة البريطاني للأعمال والابتكار والمهارات، والذي كان “حريصاً على تقديم المساعدة”، يأمل أن تتدخل الحكومة البريطانية لمساعدة ما يقدر بـ670 طالبا سورياً يدرسون في المملكة المتحدة.

في كانون الثاني/يناير، أعلنت مجموعة دولية من الجامعات والمؤسسات التعليمية، التحالف السوري لدعم التعليم العالي خلال الأزمات، عن تقديم منح دراسية للطلاب السوريين. يضم الائتلاف أعضاء من المعهد الدولي للتعليم، ومقره في نيويورك، ومنظمة المغتربين السوريين “جسور: معاً لغد أفضل في سوريا”. إلا أن عدد الطلاب الذين يحتاجون لمنح دراسية يفوق الإمكانيات المتوفرة.

أحمد (22 عاماً)، طالب هندسة في جامعة ليفربول، من بين أولئك الذين يأملون أن تؤتي مثل هذه الحملات بثمارها. في الوقت الحالي، لا يستطيع أحمد تسديد الرسوم الدراسية، فالعقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الغرب على بلادهجعلت الحصول على المال عمليا أمراً مستحيلاً. مشاكله المالية اليوم تتعارض بوضوح مع حالة الثراء النسبية التي كان يتمتع بها في سوريا.

“كان لدينا متجر للحلويات، وآخر في المنطقة الحرة ومطعم – كلها أعمال تجارية صغيرة في دمشق”، يقول أحمد. “إلا أن محلاتنا أحرقت ودمرت، حتى المال الذي في البنك لم نتمكن من الوصول إليه”.

ببعض من الأمل، تواصل أحمد مع عدد من المسؤولين عن دعم الطلاب الدوليين في العديد من الجامعات، إلا أنه لم يحصل على أي مساعدة بعد.

ويحول واقع أن دراسته قد تتوقف في أي لحظة دون تمكنه من التركيز على دروسه، خاصة وأنه في كل مرة يدخل على الشبكة الداخلية للجامعة، يجد ما يذكّره بوضعه.

“من المفترض أن أتقدم بموضوعة اليوم في الجامعة، ولكنني لم أنته حتى من إنجاز نصفها” يقول أحمد. ويتابع “قدمت امتحاناتي النهائية الأسبوع الماضي ولكنني لا أعتقد أنني أبليت بشكل جيد”.

“أتلقى إنذارات من الجامعة تقول فيها ‘إنذار أخير – إذا لم تقم بالدفع، سيتم تعليق دراستك في الجامعة’”. وبحسب أحمد، المسؤولون في الجامعة لم يجيبوا على طلباته المتكررة للتعليق على الموضوع.

مخاوف عائلية

ثمة مسألة أخرى تزيد من الصعوبات التي يعاني منها السوريون في الخارج، وهي انشغال فكرهم ببيوتهم وعائلاتهم في سوريا. “أفتقد حقا لبقية عائلتي”، يقول ياسين. “أريد أن أراهم ولكن لا وسيلة لذلك”.

أما حلمي، أحد الطلاب السوريين في المملكة المتحدة، فيؤكد بدوره أن الكثير من الطلاب يعانون من الفقدان والقلق.

“قبل اندلاع الثورة، كان تركيزي محصوراً بدراستي، قمت بنشر بحث وشاركت في مؤتمر. إلا أن الحال تغير لاحقا والثورة كان لها تأثيرها علينا جميعا. قتل بعض أفراد أسرتي، ومدينتي [داريا] تحت القصف الآن”.

في لايبزيغ، ألمانيا، يعد عماد وهو خريج العلوم السياسية، لم يرغب بنشر اسمه كاملاً، نفسه محظوظا لكون والديه وزوجته وبناته في أمان نسبي في بلاده، ويستطيع محادثتهم على الأقل مرة في الأسبوع.

ولعماد تاريخ من الخلافات مع قوات الأمن السورية، وهو السبب الذي من أجله ترغب أسرته ببقائه في الخارج. ولكن حتى في ألمانيا، عليه أن ينتقي كلماته جيداً.

“أنا أتواصل مع حوالي 30 طالباً سورياً هنا في لايبزيغ، بعضهم من الموالين للنظام وبعضهم لا”، كما يقول. “ولكن بعض الموالين في ألمانيا يقومون بالإخبار عن الباقين لأجهزة الأمن”.

ويشاركه هذا القلق ياسين، وهو السبب وراء عدم رغبته بنشر اسمه الحقيقي.

في إدنبرة، ينقسم الطلاب أيضاً بين مؤيدين ومعارضين وآخرين صامتين: “الأشخاص الصامتون لا يرغبون بالانضمام لأي معسكر”، يقول ياسين. “يخشى الطلاب المعارضون كثيرا الطلاب المؤيدين، فبالرغم من كوننا كنا أصدقاء في الماضي إلا أنهم اليوم يخبرون عنا، كما حصل مثلا عندما تظاهرنا أمام القنصلية الروسية”.

ويشدد ياسين على أنه لن يعود مجدداً إلى سوريا، حى ولو تمت الإطاحة بالرئيس الأسد طالما بقيت ملفات المخابرات ضده موجودة ومفتوحة.

حتى الطلاب داخل سوريا، والذين حصلوا على منح دراسية في الخارج، ليسوا بحال أفضل. فعبدالله، خريج المسرح الذي حصد جوائز عديدة عن كتاباته المسرحية، حصل على منحة من قبل المركز الثقافي البريطاني لاستكمال دراساته العليا في بريطانيا. قدم عبدالله كافة الأوراق اللازمة للحصول على تأشيرة الدخول إلى بريطانيا، وسافر مرتين إلى بيروت ومرة إلى عمان نظراً لكون السفارة البريطانية مغلقة في سوريا، ولكن طلبه رفض. “أنا أعرف السبب” يقول عبدالله، “فالسوريون غير مرغوب فيهم الآن”.

https://www.bue.edu.eg/

ويشارك بعض الطلاب التوقعات السوداوية لبعض المراقبين السياسيين عن سوريا، قائلين إنه بعد انتهاء الصراع في سوريا بين النظام والشعب، سيحل محلها الصراعات بين الفصائل السورية المختلفة. في حين يصر آخرون على أن السوريين الذين يدرسون في الخارج سيكون لهم دور رئيسي في مرحلة ما بعد الأسد بغض النظر عن آرائهم حول الصراع القائم.

“هنالك انقسام بين الطلاب” يقول حلمي متابعا “لكن ما نقوم به هو محاولة العمل بطريقة جماعية لمساعدة الجميع. كأكاديميين متعلمين في أرقى جامعات العالم، من المهم جداً أن ننهي تعليمنا ونعود لبناء سوريا الجديدة الديموقراطية”.

في نهاية المطاف، العودة يوما ما إلى سوريا ما زالت راسخة في ذهن عماد.

“إذ تحسن الوضع في سوريا فجأة غدا، سأكون على متن أول طائرة تقلني إلى بلادي” يقول عماد. “أنا في ألمانيا لتحصيل العلم ولكن سوريا هي وطني”.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى