مقالات رأي

كيف حصلت مجلة الفنار للإعلام على إسمها؟

“مصرع طالب… تحرش… مظاهرات طلابية… إضراب أساتذة… وتأجيل موعد الامتحانات” عناوين مختصرة لأبرز الأخبار والتقارير الإعلامية العربية التي شكلت نتائج بحثي على شبكة الانترنت تحت عنوان “الجامعات”.

أعدت محاولات البحث عدة مرات بكلمات ومرادفات مختلفة كلها تحت عنوان واحد عريض “التعليم العالي المنطقة العربية” وفي كل مرة كان محرك البحث يقودني لصفحات الحوادث في مواقع الجرائد والمجلات العربية أو إلى صفحة المحليات في أحسن الأحوال. حتى المواقع الإلكترونية التابعة للجامعات لا تقدم أكثر من صور تذكارية للطلاب داخل أروقة الجامعة، معلومات عن التسجيل وجداول الامتحانات السنوية.

لا أخبار عن البحوث العلمية أو الدراسات الأكاديمية… لا تقارير عن الواقع التعليمي وتقييم الأداء وخطط التطوير ولا لقاءات مع أساتذة جامعيين… لا معلومات عن فعاليات أو نشاطات جامعية باستثناء الترفيهية منها. هل مهمتي إذن مستحيلة؟

عندما تقدمت بطلب للانضمام لفريق عمل “الفنار”، دورية متخصصة في قضايا التعليم العالي في العالم العربي، كنت أعرف تماماً أن القطاع الذي تتخصص فيه “الفنار” لم أعمل به مسبقاً. ولكنني تحصنت بخبرتي الصحفية في قطاع الأعمال والاقتصاد وبشهاداتي الجامعية الثلاث والكثير من الدورات والورش التدريبية مع مؤسسات إعلامية كبرى. قبولي في العمل كان رهن قدرتي على إعداد بحث حول واقع التغطية الاعلامية العربية لقضايا التعليم العالي في المنطقة وما إذا تتواجد الرغبة لدى الصحافيين العرب بالكتابة أكثر عن قضايا التعليم. واعتقدت- خطأً- في حينها أن الموضوع بسيط ولن يستغرق الكثير من الوقت أو الجهد.

ثماني سنوات قضيتها في الوسط الصحافي ليس فقط كمحررة ومراسلة وإنما أيضاً كمتابعة نهمة لكل ما ينشر محلياً وعربياً عن الثقافة والفنون ومع ذلك لم ألحظ حجم الغياب الكبير والواضح جداً لمواضيع التعليم العالي في التغطيات الصحفية العربية إلا بعد أن وجدت أن عدد صفحات نتائج البحث المطابقة على محرك غوغل لا يتجاوز الثلاث صفحات. حتى الدوريات العربية المتخصصة بقضايا التعليم العالي والتي لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، جميعها بدون استثناء لم يتم تحديث مواقعها الإلكترونية منذ فترة طويلة بما يعكس بوضوح تعثر عملها وعدم استمراريته وهو الأمر الذي أثار مخاوفي الشخصية أيضاً: “هل سألتحق للعمل في دورية قد لا تجد جمهوراً يهتم بمحتواها؟”

حسناً… خانني محرك البحث، أو ربما يكون ضعف المحتوى العربي عموماً على الشبكة العنكبوتية السبب في ذلك، إلا أن زملائي في المهنة بالطبع سيكونون خير عون لي في الحصول على المعلومات المطلوبة. ولكنني كنت مخطئة من جديد. “خضعت لـ22 تدريبا صحافيا ولكن أياً منهم لم يكن حول تغطية قضايا التعليم العالي”، قال لي أحد الزملاء الذي تزيد خبرته الصحافية عن العشرة أعوام قضى معظمها في تغطية قضايا التنمية. وعندما سألته إن كان السبب عدم اعتقاده بأهمية الموضوع نفى بشدة مؤكداً أنه “لم أسمع يوماً عن وجود تدريب صحافي متخصص بتغطية التعليم العالي في المنطقة العربية”.

أما رئيس تحرير أحد المواقع الإلكترونية المهتمة بالشباب فقال إن الكتابة عن التعليم ليست رفاهية وإنما واجب. “التعليم حق من حقوق الإنسان أولا، وهو مرحلة أساسية في حياة كل منا كما أنه المحرك الأساسي في عملية التنمية في مجتمعنا العربي”، موضحاً أن المشكلة تبرز في عدم وجود خطوط تواصل مفتوحة ومستمرة مع العاملين في هذا القطاع فضلاً عن عزوف الناس عن متابعة الكثير من التقارير الأكاديمية بسبب لغتها العلمية الجافة. وفي جميع المقابلات التي أجريتها وعددها 25 مع صحافيين من دول عربية مختلفة، أعربوا جميعهم عن اهتمامهم بكتابة قصص تغطي مختلف الجوانب المتعلقة بالتعليم العالي كما أبدوا رغبة كبيرة بالالتحاق بورش تدريبية تمكنهم من الكتابة عن مواضيع متعلقة بالتعليم العالي بطريقة احترافية وجذابة للقراء.

حماستي أنا أيضاً تضاعفت للعمل بجدية لإعداد البحث المطلوب، هذه المرة ليس فقط لرغبتي بالحصول على الوظيفة، وإنما لنقل صورة واضحة وشفافة عن واقع التغطية الإعلامية لقضايا التعليم في المنطقة بما يمكن أن يسهم في التحضير لإطلاق مشروع إعلامي رائد يخدم هذا القطاع التنموي في منطقتنا العربية في هذا الوقت الحرج من تاريخها الحافل بالثورات المطالبة بالتغيير والإصلاح.

لاحقاً، تقدمت بالبحث المطلوب مع اقتراحي لاسم “الفنار” للدورية المزمع إصدارها من قبل وقف الإسكندرية. ذلك أن طوال عملي على إعداد البحث، كان فنار مدينة الاسكندرية – أحد عجائب الدنيا السبع في عهد الاغريق- ماثلاً أمام عيني لارتباطه أولاً باسم المدينة التي يحمل الصندوق اسمها بوصفها مؤسسة عربية تكرس جهودها للنهوض بالتعليم في المنطقة إلى مستويات عالمية مستندة في ذلك على إحياء إرث الإسكندرية العريق كمركز للعلم والتعليم في العالم بأجمعه.

والسبب الثاني هو الدور التاريخي الهام الذي لعبه هذا الفنار في مساعدة زوار المدينة للاستدلال على مينائها حيث كان ضوءه يُرى من على بُعد 70 ميلاً في البحر. وهو الدور الذي تسعى “الفنار” للقيام به من جهة إلقاء الضوء على القضايا الرئيسية المتعلقة بالتعليم العالي وفتح باب للحوار والنقاش بين العاملين والمهتمين في هذا القطاع بما يسهم في تحفيز عملية الإصلاح اللازمة لضمان قيام المؤسسات الإقليمية بتوسيع قدراتها ودعم مواهب الدارسين العرب وإمكانياتهم ليقوموا بدورهم كمواطنين وقادة فاعلين.

اليوم، أنا سعيدة ليس فقط لقبول طلب انضمامي لفريق عمل “الفنار للإعلام” رسمياً ولاعتماد التسمية التي اقترحتها كعنوان نهائي للدورية، وإنما أيضاً لكوني أصبحت جزءاً من مشروع إعلامي رائد يهتم بـ “التعليم العالي” ويدعمه بوصفه قضية تنموية أساسية في وطننا العربي.

هذه المرة، أعي تماماً أن المهمة الجديدة والمتمثلة بتقديم محتوى إعلامي غني واحترافي من تقارير ومقالات ليست بالمهمة السهلة، إلا أنني على يقين بأنني وكامل فريق العمل لن ندخر جهداً لإيصال شعاع “الفنار” إلى كافة المنطقة العربية.

*رشا فائق هي كبيرة المحررين في مجلة “الفنارللإعلام”.

تعليق واحد

  1. بالنسبة للاعلام والصحافة لم نجد اي تخصيص لها من قبل المهتمين …لهذا انا اعتبرها خطوة جيدة وبالطريق الصحيح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى