أخبار وتقارير

تقرير: تصدع المجتمع السوري وخسارة رأس المال الاجتماعي

تراجعت الثقة وأواصر التعاون والقيم المشتركة بين السوريين بشكل حاد في جميع أنحاء البلاد منذ بدء الحرب، وفقاً لتقرير جديد أعده المركز السوري المستقل لبحوث السياسات، والذي قام بتحليل تأثير النزاع المسلح على العلاقات الاجتماعية في سوريا.

وانخفضت الثقة بين الأفراد بمقدار الثلثين، فقبل النزاع قال 64.8 في المئة من السوريين أنهم غالباً ما يثقون بسوريين آخرين لكن هذا الرقم هو بحدود 26.7 في المئة فقط الآن.

التقرير غارق في إحصاءات قاتمة أخرى، وبعضها قد لا يبدو مستغرباً، لكن كتاب التقرير يقولون إنهم يأملون في أن يركز القراء أيضاً على الكيفية التي يمكن من خلالها لنتائج الدراسة أن تساعد في معالجة الوضع.

قال ربيع ناصر، المؤسس المشارك للمركز السوري لبحوث السياسات وأحد مؤلفي التقرير، “نحن لا نسعى للتركيز على تكرار الجوانب السلبية للحرب فحسب، لكن الأمر يتعلق بإعادة بناء المستقبل. نحن بالطبع بحاجة إلى وقف القتل، لكن هذا التصدع الاجتماعي سيكون له أيضاً تأثير طويل الأمد بعد فترة طويلة من هزيمة تنظيم داعش [الدولة الإسلامية]. نحن نصدربحوثاً قائمة على الأدلة، ومن شأنها أن تساعدنا في المستقبل.”

كتب الورقة البحثية وأعدها فريق من باحثين لبنانيين وسوريين.

يستند البحث، الذي صدر الأسبوع الماضي وتمت مناقشته في في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، على استطلاع شمل 2.100 شخص تم إجراؤه عام 2014 في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك الرقة. وطرحت الأسئلة عن موضوع الثقة وكيفية شعور الناس بالأمان وما هي رؤيتهم لبلدهم ومجتمعهم المحلي. وبحثت الدراسة أيضاً في وضع الشبكات الاجتماعية والتفاعلات الاجتماعية من خلال قياس العمل التطوعي والمشاركة في صنع القرار العام ومشاركة المرأة في هذه الفعاليات. كما تمت دراسة الوضع الاجتماعي للمرأة بشكل عام.

جمع الباحثون كل هذه المتغيرات في مقياس واحد يسمى مؤشر رأس المال الاجتماعي.

يعتبر توحيد هذه القياسات العديدة مسعى معقد في أفضل الأوقات، حتى في غياب التحديات الإضافية التي تجلبها الحرب. قال ساري حنفي، رئيس قسم علم الاجتماع والانثروبولوجيا والدراسات الإعلامية في الجامعة الأميركية في بيروت، “إن جمع البيانات في ظل الصراعات دائماً ما يكون إشكالياً، وبالتالي فإن هناك مسألة ما فيما يخص المصداقية.” (اقرأ المقالة ذات الصلة: تحديات البحث الأكاديمي في مناطق الحروب.)

لم ينخرط حنفي في البحث نفسه، على الرغم من مراجعته للتقرير.

للحصول على البيانات، اعتمد ناصر وزملاؤه على فريق مكون من 250 من الفنيين والمتخصصين في مجال البيانات والباحثين على الأرض في سوريا. قال “أنا متأكد من توفر منهجية جيدة لدينا.” وتوقع أن تكون دقة أرقامه موضع تساؤل، لهذا السبب تم قياس كل متغير بأكثر من طريقة. قال “إذا كانت البيانات لكل مقياس لا تتطابق، فإن ذلك كان بمثابة مؤشر لمزيد من التحقيق. ويعني وجود اختلاف كبير رفضنا لدمجها في النتائج أو أن نحاول مرة أخرى.”

يعتقد حنفي أن الباحثين قد اتخذوا الخطوات الصحيحة لتقليل مخاطر النتائج غير الدقيقة. قال “أعتقد أن الفريق قام بعمل كبير باختيار هذه المنهجية.”

وبالمقارنة مع وضع سوريا قبل الحرب، وجد التقرير أن رأس المال الاجتماعي انخفض بنسبة 30 في المئة.

تستند الدراسة إلى بيانات تم جمعها قبل ثلاث سنوات وقد تغير الكثير على أرض الواقع مع انحسار وتمدد خطوط المعركة، لكن هذا لا يعني أن النتائج غير ذات صلة. واذا ما كان هناك شيء ما قد تغير، فهذا يعني أن رأس المال قد يكون أقل من ذلك لأنه وفي الوقت الذي تغيرت فيه الحياة العملية في البلاد، لا يزال السوريون يواجهون تحديات الحرب. (عدد نقاط البيانات التي تم إنتاجها وتعقيد نموذج الباحثين يعني أن التحليل المتبع قد استغرق وقتاً طويلاً. يعد هذا التقرير الثاني ضمن سلسلة، صدر التقرير الأول منها بعنوان “التشتت القسري: تقرير ديمغرافي عن الحالة الإنسانية في سوريا“).

قال ناصر “هناك نتائج مختلفة مهمة. الأول يتعلق بالانهيار الهائل في الثقة، والتي تصدعت بشكل أسرع من الشبكات والقيم. وهذا أمر مهم، لكن ما فاجأني هو أن الثقة لم تتصدع بنفس المعدل في مناطق مختلفة.”

يعزى السبب في ذلك إلى تحشد المجتمعات السورية مع بعضها، وغالباً بشكل يعارض المجتمعات الأخرى، الأكراد مقابل العرب والسُنة مقابل العلويين. قال ناصر “هذا أمر سيء بالنسبة لرأس المال الاجتماعي.”

بشكل قد يكون غير متوقعاً، لم يكن القتل أو العنف بين هذه المجتمعات المسؤول الأكبر عن تصدع الثقة. قال ناصر “التمييز بين المجتمعات يؤثر على رأس المال الاجتماعي أكثر من الوفيات المباشرة.” يمكن أن يكون التمييز من قبل الميليشيات أو البيروقراطيات الحكومية، ولكن عندما تفضل المؤسسات مجموعة معينة على أخرى، فإنها تعزز شعوراً خطيراً من انعدام الثقة.

لهذه النتيجة أهمية بالنسبة لسوريا في مرحلة ما بعد الصراع، بحسب ناصر، لأن من شأن انعدام الثقة والتمييز أن يستمر بعد وقت طويل من هزيمة المدن أو تحريرها. قال “سنحتاج لمعالجة هذا في مرحلة ما.”

في ذات الوقت، تراجع وضع المرأة ومشاركتها في المجتمع السوري. إذ تضاعف عدد المشاركين تقريباً الذين قالوا إن وضع المرأة في سوريا كان “سيئاً”، في حين أن من قالوا إنه “جيد” انخفض عددهم بأكثر من الربع. ويشير التقرير إلى الاغتصاب والهجمات العسكرية وظروف العمل القاسية وحالات الزواج دون السن القانوني والإتجار بالنساء كعوامل أدت إلى تراجع وضع النساء والفتيات.

وفي حين أن عدداً قليلاً من المراقبين يستطيعون تصور عملية سلام ناجحة في سوريا، فإن التقرير يدعو إلى عدد من الشروط عندما يحدث ذلك في نهاية المطاف لضمان استعادة الثقة العامة والثقة بين المجتمعات.

على سبيل المثال، يشير التقرير إلى الطبيعة الأساسية للمشاركة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمرأة في إعادة بناء البلاد. كما أن هناك حاجة أيضاً لضمان حق الجمهور العام في المشاركة والاستشارة في القرارات التي ستتخذ خلال عملية التعافي من خلال الوسائل الديمقراطية.

على المستوى الأساسي والملموس، يقول الباحثون إن السوريين العاديين بحاجة إلى فرصة لإبداء آرائهم دون الخوف من الانتقام، والحق في عقد مظاهرات سلمية، وإنشاء أحزاب سياسية معارضة. جاء في التقرير “من شأن هذا كله أن يساعد المجتمع على التوصل إلى رؤية عامة تؤسس عقداً اجتماعياً مستقبلياً.”

ويوصي التقرير أيضاً بإجراء إصلاح شامل لمؤسسات الحكم لتحويلها من أدوات للقمع إلى كيانات شاملة وخاضعة للمساءلة.

لكن حنفي يقول إن توصيات التقرير كان يمكن أن تكون أكثر تفصيلاً. قال “أتمنى أن يثير هذا البحث أسئلة أكثر تحديداً عن الديمقراطية ونوع الحكم المنشود.”

يذكر التقرير أن هناك حاجة لبرامج للمساعدة في تطوير مؤهلات وكفاءات جميع السوريين بعد الحرب للتأكد من أن المجتمع يمكن أن يبدأ في عملية إعادة الاندماج. وخلص التقرير إلى أن ترك أي مجتمع بعينه في عملية إعادة بناء سوريا لن يؤدي إلا لزيادة الإنقسامات القائمة.

قال ناصر “نأمل في أن توفر نتائجنا وتقريرنا نقطة إنطلاق أفضل للتعافي الاجتماعي في سوريا.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى