أخبار وتقارير

إعادة بناء مكتبة الموصل كتاباً بكتاب

شهدت حملة تهدف لاستعادة رصيد مكتبة جامعة الموصل ردود أفعال متحمسة منذ انطلاقتها قبل ثلاثة أشهر. ساهمت جامعات وجهات مانحة خاصة داخل العراق وخارجه بالتبرع بالكتب ومواد أخرى حتى قبل انتهاء العمل العسكري الحكومي لاستعادة المدينة من تنظيم  ما يسمى بالدولة الإسلامية “داعش”.

استولى التنظيم على المكتبة عند سيطرته على مدينة الموصل في حزيران/ يونيو 2014، وقام بعرض يظهر تدميراً لكتبها ومخطوطاتها. قال أبي الديوه جي، رئيس جامعة الموصل، “التدمير شامل، لقد تم تدمير ما يقرب من 100 في المئة من مكتبة الجامعة ومقتنياتها.” وكان الديوه جي يدير حرم جامعة الموصل في المنفى من مدينة دهوك بإقليم كردستان العراق منذ العام 2014.

قال محمد جاسم، مدير المكتبة الذي واصل عمله في كركوك على مدار السنوات الثلاثة الماضية، إن العديد من المخطوطات القديمة للمكتبة قد تمت عملية رقمنتها وحفظها على الخوادم، لذلك فإن الأجيال القادمة لم تفقدها بالكامل. بعض المخطوطات سليمة لأن الموظفين نقلوها سراً عند استيلاء عناصر التنظيم  على الموصل.

كانت المكتبة تضم 3,500 كتاباَ نادراً يعود تاريخ البعض منها إلى أوائل القرن الثامن عشر. كما ضمت المكتبة خمسة آلاف مطبوع حكومي يرجع تاريخها إلى تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921.

تعرضت غالبية محتويات المكتبة المؤلفة من حوالي مليون كتاب للتدمير، عندما شن مقاتلو التحالف بقيادة الولايات المتحدة غارة جوية على المكتبة في آذار/ مارس 2016 لإعتقاد قوات التحالف أن المكتبة تستخدم كمركز قيادة تابع للتنظيم. وفي كانون الثاني/ يناير من هذا العام، وعند إستعادة القوات العراقية للحرم الجامعي، أضرم مقاتلو التنظيم النار في المكتبة، لتدمير الأدلة المتعلقة بعملياتهم على ما يبدو.

قال علي البارودي، المحاضر في قسم الترجمة بجامعة الموصل، “يمكنك شم رائحة السخام على بعد 500 متر. لقد تم تكديس الكتب في إحدى الزوايا وأضرمت النيران فيها.”

بعد استيلاء عناصر التنظيم  على الحرم الجامعي، تم السماح للطلاب بمواصلة الدراسة في العام الدراسي 2014، لكن في عدد قليل فقط من التخصصات، مثل الطب وطب الأسنان. فيما تم إغلاق كليات العلوم الإنسانية، مثل كليات الفنون الجميلة والقانون، واعتبرها التنظيم غير إسلامية.

انطلقت حملة إعادة بناء مكتبة الجامعة في شباط/ فبراير، بعد وقت قصير من تحرير قوات التحالف للجزء الشرقي من المدينة، حيث يقع مقر الحرم الجامعي الرئيسي. وقد جمعت المكتبة حتى الآن أكثر من 6,000 كتاب وتعهدات بتقديم 20 طن من الكتب من حملة تنظمها صفحة عين الموصل، وشاركت فيها مكتبة فرنسية في مرسيليا اسمها حلم السلالم La Reve de L’escalier.)

قال جاسم “لا يمر يوم واحد من دون تلقي عروض جديدة. كانت جامعة البصرة أول من قدم المساعدة. وحصلنا مؤخراً على عرض من كلية دجلة الجامعية، وهي جامعة خاصة في بغداد. هذا رمز عظيم يجسّد وحدة العراق.”

ملصق إعلاني لحملة التبرع بالكتب لمكتبة الموصل، يمكن التواصل مع الأرقام الواردة فيه في حال الرغبة بالمشاركة في التبرع.

تتنوع الكتب لتشمل المجلات الطبية وحتى كتب الفنون والآداب، بحسب جاسم.

قال جاسم “نحن نهتم بالنوعية أكثر من الكمية ونتحقق من الكتب الأكثر فائدة للباحثين والأكاديميين والطلاب. نحن نبدأ من الصفر الآن. المصادر الحديثة مهمة جداً، لاسيما في المجالات العلمية.”

كما قام مجتمع كلية بغداد، وهي مدرسة ثانوية مرموقة أسسها اليسوعيون الأميركيون عام 1932، بحملة لجمع الكتب من أجل المكتبة. حيث تبرع أنس جارو، 23 عاماً، وهو مهندس برمجيات وأحد خريجي كلية بغداد، بـ 40 كتاباً في مجالات الطب والهندسة المدنية وهندسة الكومبيوتر.

قال جارو، الذي يعيش في بغداد، “تخرج والدي، الطبيب المتقاعد، من كلية الطب في جامعة الموصل عام 1982. وكان يحدثني دائماً عن الجامعة في الأزمان القديمة. بالنسبة له، كانت بمثابة هارفارد مصغرة. نحن بالأصل من مدينة الموصل قبل جيلين، وقد جعلتنا هذه الحملة مهتمين بالمساعدة.”

استخدم جارو وسائل التواصل الاجتماعي للمناشدة بخصوص المساهمة بالتبرع بالكتب، لكن بعض التبرعات لم تكن متوقعة. فعندما كان أنس يقود سيارته، أوقفه أحد رجال الشرطة وقام بتفتيش صندوق السيارة ليكتشف صندوق الكتب التي تم التبرع بها. فذهب الشرطي بعيداً وعاد بثلاثة كتب في مجال القانون وأضافها للمجموعة. لقد كانت تلك إشارة عن مدى رغبة العراقيين العاديين في المساعدة، بحسب جارو.

مؤخراً، حضر طلاب من جامعة ديالى كرنفالاً تم تنظيمه في حرم جامعة الموصل للتوعية بشأن حملة التبرع بالكتب.

قالت تهاني صالح، طالبة الماجستير في جامعة الموصل، والتي ساعدت في إدارة الكرنفال، “كان الكرنفال قد نظم كدعوة للعالم ليرى المكتبة المدمرة، والسماح للناس بالتبرع بالكتب للمكتبة والسماح لأولئك الذين وعدوا بإعادة ملء المكتبة بجلب الكتب التي قاموا بجمعها.”

بالنسبة لصالح، تعتبر الحملة شخصية أيضاً.

قالت “مازلتُ مصدومة. إنها كارثة. لقد دخلت المبنى المحترق وزرتُ جميع الطوابق. رأيتُ الكتب التي أحرقها تنظيم الدولة الإسلامية. لم يبقَ منها شيء سوى الرماد المتناثر في كل مكان. لقد سقطت السقوف بفعل الحريق وانصهرت الكراسي. العديد من الأماكن التي كنتُ أقضي فيها ساعات من الزمن هي مجرد رماد الآن.”

بقيت صالح في الموصل لكنها رفضت الدراسة في ظل تنظيم الدولة الإسلامية. وقد استأنفت مقرراتها الدراسية في الحرم الجامعي البديل وتستعد الآن لكتابة أطروحتها.

قالت صالح “أنا بحاجة ماسة للكتب لاستكمال مشروعي. نحن بحاجة للمكتبة لتعود من جديد.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى