مقالات رأي

جدل حول دور الأزهر بالتزامن مع زيارة البابا

أثارت الهجمات الأخيرة التي استهدفت الأقلية المسيحية القبطية في مصر الخوف والقلق. بينما من المقرر أن يزور مصر هذا الأسبوع البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، للتعبير عن تضامنه مع المسيحيين المحاصرين والدعوة للتسامح الديني.

كما تسببت الهجمات بزيادة التحليل والتعليق المعتادين حول العوامل الكامنة وراء تفاقم الطائفية في البلاد ومن زخم المطالب الدائمة المقدمة للمؤسسات الإسلامية في مصر، وفي مقدمتها جامعة الأزهر، أكبر وأقدم جامعة إسلامية في البلاد، لتبني الإصلاح.

أدت هذه التفجيرات، التي تبنتها جماعة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، إلى مقتل ما لا يقل عن 45 شخصاً في أحد السعف في التاسع من نيسان/ أبريل. لكنها لم تكن سوى آخر الهجمات التي طالت الأقباط، والذين يعانون بشكل منتظم من التمييز المؤسسي وأعمال العنف.

طوال سنوات عديدة، قوبلت حالات الطائفية بالإنكار والتفاؤل الحالم حول تسامح مصر ووحدتها. اليوم يلقي العديد من الناس باللائمة حول تصاعد الهجمات على المسيحيين على تأثير الجماعات الإسلامية، من جماعة الإخوان المسلمين (التي حكمت البلاد لمدة سنة واحدة بعد الإطاحة بحسني مبارك بالقوة) وحتى تنظيم داعش.

وذهب آخرون إلى أن المشكلة مشكلة ثقافية أكبر، وحملوا النظام التعليمي مسؤولية ذلك. فقبل شهر من التفجيرات، كتبت الصحافية فتحية الدخاخني في عمودها في صحيفة المصري اليوم عن صدمتها حيال بعض الأفكار التي التقطها شقيقها الأصغر من المدرسة، بأن المسيحيين “كفار سيدخلون النار” وأن طعامهم مقرف ولا يصح للمسلمين أن يأكلوا منه.

كتبت الدخاخني “نحتاج إلى العمل على تغيير ثقافة المجتمع الذي تربى على فكر التمييز ضد الآخر، وليس هناك شك في وجوب البدء من المدرسة.”

كما دعت إلى إنهاء التعليم الديني في المدارس -حيث يُفصل المسلمون عن المسيحيين في حصص التربية الدينية-، ووضع حد لممارسة إدراج الدين على بطاقات الهوية. وفي تطور إيجابي حديث، اقترحت عدة جامعات مصرية إزالة خانة الانتماء الديني من بطاقات هوية الطالب. مع ذلك، عندما تم اقتراح إجراء مماثل على مستوى البلاد أمام البرلمان العام الماضي، أثار الرئيس السابق لجامعة الأزهر، والنائب البرلماني الآن، صخباً في اعتراضه على ذلك.

في عام 2015، دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى “ثورة دينية” وحث جامعة الأزهر على قيادة الطريق لتحقيق ذلك. تعتبر جامعة الأزهر، وعمرها يربو على الألف عام، مؤسسة مترامية الأطراف تدرس نصف مليون طالب في جامعات في جميع أنحاء البلاد، وتعد الغالبية الساحقة من الدعاة وعلماء الدين.

ويتعرض الأزهر لهجوم متكرر بسبب ما يقول نقاد إنه منهج قديم عفى عليه الزمن يستند إلى أفكار قديمة تشجع التعصب تجاه غير المسلمين، وتدعم تفسيراً متحفظاً جداً للدين. فضلاً عن كونه جامعة ممولة حكومياً لا يُقبل فيها سوى المسلمين.

وبعث مسؤولو الأزهر برسائل مختلطة حول استعدادهم للإصلاح. وكانت تصريحاتهم العلنية ذات نبرة دفاعية، ويبدو أنها تهدف إلى حماية سلطتهم.

في عام 2015، قال متحدث باسم الجامعة للصحافة، “إن تعاليم الأزهر ليست داعمة للإرهاب. وقد تم تدريس هذه المناهج على مدى أكثر من ألف عام، في حين أن الإرهاب لم يظهر إلاّ مؤخراً […] إن الإدعاءات بأن تعاليم الأزهر تتضمن أفكاراً إرهابية ليست سوى حملات إعلامية تهدف لتقليص دور الأزهر، بل والإسلام نفسه.”

من داخل كنيسة مار جرجس بطنطا بعد وقوع التفجير.

على صعيد التعليم العالي، يشير مراقبون إلى أن المسيحيين الأقباط يواجهون التمييز. فهم أقل احتمالاً للتوظيف، وأقل احتمالاً للتعيين في مناصب عليا. فليس هناك رؤساء جامعات من المسيحيين الأقباط، على الرغم من أن الأقباط يشكلون ما يقدر بنحو 10 في المئة من السكان.

بعد الهجمات الأخيرة، جددت وسائل الإعلام المصرية من هجماتها على الأزهر. قال المقدم التلفزيوني أحمد موسى “لم يقوموا بأي شيء لمواجهة الإرهاب ولا شيء لتجديد الخطاب الديني.” وقال إن معظم الإرهابيين هم من “خريجي الأزهر […] وأن منهج الأزهر، الذي يفرق بين المصريين، وحتى بين المسلمين، بحاجة لأن يتغير كليّا.”

لكن تركيز الدولة المصرية ووسائل الإعلام الموالية لها على جامعة الأزهر بصفتها المصدر الرئيسي للتطرف والطائفية يعتبر نفاقاً أيضاً. يشير الكثير من الباحثين والخبراء إلى أن الدولة نفسها تميّز ضد المسيحيين الأقباط في مسائل مثل الزواج والتعيين في المناصب العامة وتصاريح بناء الكنائس، ويقولون بأنها لا تفعل شيئاً يُذكر لمحاكمة أولئك الذين يرتكبون أعمال العنف الطائفي.

يقول تيموثي كالداس، المحلل السياسي والزميل في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، “إن الطائفية التي يواجهها المسيحيون المصريون وبشكل محزن ليست مهمة في مجتمعنا. فبينما يدين غالبية المصريين قتل المصلين في قداس الأحد، فإن المعتقدات الأخرى منتشرة، وهي المعتقدات التي تديم وتخلد الطائفية في كل مرافق المجتمع والتي تقف وراء معظم الهجمات الطائفية في جميع أنحاء البلاد. ولا تقبل غالبية المصريين حتى بفكرة أن للمواطنين المسيحيين الحق في بناء دور العبادة بالسهولة التي يتمكن من خلالها المسلمون من بناء المساجد.”

وخلص إلى أنه إلى أن “يضع المصريون خلافات الإيمان الشخصي على الجانب، ويطالبون بالمساواة واحترام الحقوق على أساس المواطنة، فإن التوترات الطائفية التي تندلع في مصر ستبقى معنا.”

وبالمثل، أشار بول سيدرا، الأستاذ المساعد للتاريخ في جامعة سيمون فريرز بكندا، في مجلة “جدلية” الأكاديمية الإلكترونية، إلى أن “الهيكل الطائفي للحكم” في مصر مستمر بلا هوادة في ظل الرئيس السيسي. وهذا ما يجعل الهجمات المستقبلية على الأقباط أكثر احتمالاً من أي وقت مضى.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى