مقالات رأي

مؤرخ مغربي يتحول إلى صياد للكتب

تقاعد محمد المنصور من تدريس التاريخ في جامعة محمد الخامس في الرباط، إلا أنه يحرص على إبقاء نفسه مشغولاً من خلال كتابة الكتب والمقالات عن مواضيع تاريخية متعددة، وإدارة عمله الفريد من نوعه، الموقع الإلكتروني “كتابُك”، والذي يساعد من خلاله كل من المكتبات والباحثين الأجانب في العثور على كتب صدرت في المغرب العربي.

يكمن التحدي الأول في الإلمام بما يتم نشره في المغرب والدول المجاورة، وهي ليست بالمهمة السهلة.

فلا يزال سوق الكتاب المغربي غير منظم وغير رسمي، كما أخبرني المنصور عندما التقينا لتناول القهوة في الرباط، ولا يزال توزيع الكتب ضعيفاً. لذلك يعمل هو وفريقه كما يقول على “نطاق صغير مستخدماً العلاقات الشخصية، فعليك أن تذهب بنفسك وتطرق أبواب المكتبات لتعلم ماذا لديهم.”

يتواجد عدد قليل من المكتبات أو الناشرين في المغرب أو دول الجوار على الإنترنت، وتطبع الكتب بأعداد صغيرة (إذا تم بيع ألفين أو ثلاثة آلاف نسخة من كتاب ما، فإنه سيعتبر من الكتب الأكثر مبيعاً). كما أن 30 في المئة تقريباً من الكتب في المنطقة العربية، تُنشر بواسطة الكاتب نفسه.

قال المنصور إنه في كتابه الأخير، أعد وحقق ما جاء في مذكرات سفير مغربي في اسطنبول في نهاية القرن الثامن عشر، حيث قال “نشرنا الكتاب ووزعناه بمجهود فردي.”

بحسب التقارير، هناك 3,304 كتاب ومطبوعة تم إنتاجها في المغرب في عام 2016، ويتضمن العدد 497 مجلة أكاديمية. قال المنصور “تنشر الكثير من الكتب هنا، لكن الدعاية لا تسلط الضوء عليها باستمرار. قد يكون الكتاب على الرف في مكانٍ ما ولكن أحداً لا يعرف شيئاً عنه.”

في كل عام، يسافر موظفو الأرشيف في مؤسسة الملك عبد العزيز، وهي مكتبة ومركز للبحوث في الدار البيضاء، إلى جميع أنحاء المغرب لإحصاء ومعرفة ما صدر من كتب. إذ لا يشترط القانون المغربي على الناشرين إيداع نسخة من الكتب المطبوعة في إحدى المكتبات الوطنية، وقد وجدت المؤسسة أن العديد من العناوين لا تغادر حتى المدينة التي نشرت فيها.

“محمد المنصور، مؤسس “كتابُك.

كما تكافح الكتب لاجتياز الحدود، يقول المنصوري إنه عادة يحصل على أحدث المنشورات في الجزائر وتونس من خلال حضوره معرض الكتاب السنوي في الدار البيضاء.

في أواخر آذار/ مارس، كان المغرب ضيف الشرف في معرض باريس للكتاب لعام 2017، وكانت المشاركة هي فرصة لعرض واقع الكتابة في البلاد، وكشف مستوى القراءة المنخفض فيها في الوقت ذاته.

فقد وجدت دراسة حديثة أن 85 في المئة من المغاربة لا يملكون بطاقات مكتبة وأن 64 في المئة منهم لم يشتروا أي كتب في العام الماضي. وكما كتبت عن ذلك من قبل، فإنها مشكلة منتشرة بوضوح في المنطقة العربية، تقف وراءها العديد من الأسباب المتداخلة (ربما أكتب عن ذلك في مناسبة أخرى، لأنها قضية تستحوذ على اهتمامي)، وهي مشكلة يركز عليها المجتمع المدني بشكل متزايد، ويتم تنظيم نشاطات للتغلب عليها مثل المكتبات المتنقلة والعديد من المبادرات المكرسة لإيقاظ الوعي بأهمية القراءة. لكنها في نهاية المطاف مشكلة كبيرة جداً لا يمكن حلها دون تدخل الحكومة وحدوث إصلاح تعليمي على وجه الخصوص.

درس المنصور في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية، وحاضر في جامعات أميركية كباحث في برنامج فولبرايت، مما أتاح له التعرف على أوساط الجامعات الغربية، وإدراك الصعوبات التي يواجهها الباحثون هناك للوصول إلى الكتب الصادرة في المغرب العربي.

لا يهتم الباحثون من دراسي المنطقة العربية، خاصة ممن لا يعرفون سوى الإنجليزية، بالمغرب، فهو بالنسبة لهم، “قريب ليس له أهمية”، بحسب المنصور. ويعود قلة عدد الباحثين المتخصصين في دراسة منطقة المغرب العربي إلى ندرة المصادر المتاحة، خاصة مع وجود التحدي اللغوي،  فقد يحتاج الباحثون لتعلم اللغتين الفرنسية والعربية وربما الأمازيغية. بالرغم من ذلك، يلاحظ المنصور حدوث “تحول بحثي محدود باتجاه شمال أفريقيا”.

يمكن تفسير الأمر جزئياً بتأزم الأوضاع في العديد من البلدان الأخرى في المنطقة العربية، وتزايد الصعوبة بل الخطورة على الأكاديميين من زيارتها.

تعتبر منصة “كتابُك” شركة عائلية صغيرة (حيث يساعد ابن المنصور أباه من سان فرانسيسكو الآن)، وهي تهدف لإيجاد مساحتها الخاصة في سوق الكتب، وتعتمد بشكل كبير على إلمام المنصور بمستجدات عملية النشر والمجالات البحثية في المغرب\

https://www.bue.edu.eg/
المنصور الإبن في مكتب الشركة في سان فرانسيسكو

يضم الموقع الإلكتروني مجموعة مختارة من الكتب التي يعتقد المنصور أنها قد تهم الباحثين، وتشتمل على مجموعة متنوعة من بينها الروايات الأكثر مبيعاً، والسير الذاتية السياسية، وأعمال الباحثين المغاربة المعاصرين وكذلك الطبعات الجديدة للأعمال الكلاسيكية للمستشرقين الفرنسيين والتي تطبعها جامعات مغربية.

يركز المنصور جهده، بحكم خبرته الأكاديمية، على العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية، ويقدم هو وفريقه قائمة قراءة مقترحة خصيصاً لمشاريع بحثية بعينها.

يتلقى موقع “كتابُك” ألف طلب شراء كتب سنوياً تقريباً، يرسلها قراء  في الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا وألمانيا والمملكة المتحدة وكندا وأسبانيا والإمارات العربية المتحدة، وترده طلبات شراء أيضاً من المكتبة الوطنية في فرنسا والجامعة الأميركية في القاهرة.

سررت جداً عندما علمت عن “كتابُك”، ذلك المشروع الصغير والذكي والإبداعي، وكلي أمل أن يتوسع. كما أتمنى أن تتطور كل عناصر سوق الكتاب في المنطقة العربية، من ناشرون وموزعون ومتاجر الكتب وعروض الكتب المنشورة، والمكتبات العامة والقراء بطبيعة الحال، ليأتي الوقت الذي أعرف فيه ما يتم نشره في المغرب، حتى لو لم ألتق مؤرخاً واسع الاطلاع.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى