مقالات رأي

تونس: الطلاب انعكاس للمجتمع

ما الذي يدفع طالب جامعي تونسي للانضمام الى جماعة معارضة يسارية متطرفة في الستينات؟ وما الذي دفع ببعضهم للانضمام إلى الحركة الاسلامية في الثمانينات؟ ولماذا مازال البعض منهم متمسكاً بهذه التنظيمات رغم التكلفة الباهظة الناتجة عن ذلك بينما ابتعد أخرون تدريجياً عن التشدد؟

يقترح مايكل العياري، كبير محلّلي تونس في مجموعة الدوليّة لمعالجة الأزمات، وهي منظمة مستقلة مقرها بروكسل وتعمل على منع الصراع، بعض الإجابات على هذه الأسئلة في كتابه الذي صدر مؤخراً باللغة الفرنسية بعنوان “ثمن المشاركة السياسية في حكم تونس-اليساريين والإسلاميين في ظل بورقيبة و زين العابدين بن علي (1957 – 2011) عن دار نشر IRMC-كارتالا، 2017.

استند كتاب العياري على مقابلات وسير الذاتية لنحو 250 ناشط يساري وإسلامي تونسي في الفترة مابين 1960 وحتى مطلع 2000. حيث يقول إنه وضع النشطاء التونسيين في السياق التاريخي والسياسي مع إلقاء نظرة فاحصة على الأصول الاجتماعية والإقليمية.

يعتبر هذا الجانب أصيلاً في عمل العياري، الذي قال للفنار للإعلام إنه خلال عمله على تحديد الأصول الاجتماعية للنشطاء وجد أنه من الضروري التوسع في امتدادات أسر النشطاء والمناطق التي ينحدرون منها وعدم الاكتفاء بالتعرف على مهن ذويهم فقط وهو معيار في مثل هذه الأبحاث السوسيولوجية.

في تونس، لايعتبر الحديث عن العائلات والقبائل والانتماءات الإقليمية أمراً مشجعاً، إذ ينظر إليه بوصفه  نهج المستشرقين وإنكار حداثة البلاد. لكن البحث، دفع العياري “إلى كسر المحظور،” كما يقول “فإذا كان المجتمع  يعمل بهذه الطريقة، دعنا نقول ذلك. فهذا أمر شديد الصلة لما اقوم به.”

وجد العياري،على سبيل المثال، أن العديد من كوادر حكومة في فترة ما بعد الاستقلال وتولي الحبيب بورقيبة لمقاليد الحكم (زعيم البلاد منذ الاستقلال عام 1956-1987) كانوا من النخبة الجديدة، ومن المدن الساحلية للبلاد، والتي اتخذت الاستفادة من المدارس ثنائية اللغة والفرص التجارية خلال فترة الاحتلال الفرنسي. بينما كانت العائلات التاريخية من تونس “ممثلة في أحزاب المعارضة اليسارية التي تحركت ضد بورقيبة فيالستينات والسبيعنيات. في حين استقطبت الحركة الاسلامية التي انطلقت في السبعينيات الأسر والمناطق الأكثر تواضعا في المناطق الداخلية من البلاد.

تقول الكتب إن الحركة المجتمعية بدأت في تونس بعد دورتين كبيرتين، الأولى يسارية 1963-1981. والثانية إسلامية من عام 1971 إلى عام 1992. في كلتا الحالتين تم سحق حركات المعارضة في نهاية المطاف من قبل الدولة، والتي تستخدم المحاكم التعسفية، والاعتقالات والتعذيب والنفي لإسكات المعارضين. منذ عام 2005، بحسب العياري، دخلت تونس دورة جديدة في الجهادية والتي تعد شكلاً من أشكال النشاط المتطرف الذي يجذب معظم الشباب.

وجد العياري أمثلة لعائلات ضمت أفراداً من اعمار مختلفة أصبحوا ناشطين في حركات يسارية وأخرى إسلامية واعتمدوا فكر المعارضة الصاعدة في الوقت الراهن.

يؤكد كتاب العياري على أهمية الدور الذي يلعبه التعليم في تشكيل الناشط السياسي والنخب السياسية. فخلال السنوات القليلة الماضية شارك كل من قابلهم في المدارس الثانوية والجامعات في العملية السياسية. كانت  المدارس (وكذلك المساجد) من الأماكن القليلة التي تسمح للأفراد أن يكونوا ثوريين وتمتعت بقدر من “شبه الحرية”، بحيث كان يمكن للطلاب  تنظيم احتجاجات ونقد النظام الحالي. بالطبع اشتبك طلاب جامعات مع الشرطة وتعرضوا لمحاكمات تعسفية وكانوا مقياساً حقيقياً للمجتمع،” بحسب ما كتب العياري.

ووجد العياري أن المسلحين اليساريين في معظم الأحيان يدرسون العلوم الاجتماعية والقانون؛ بينما يميل الإسلاميون لدراسة الهندسة والتجارة واللاهوت. ولاحظ أن عدم وجود فرص للمشاركة السياسية وللتطور المهني بعد الانتهاء من الدراسة يعتبر واحداً من العوامل التي أدت إلى التزام هؤلاء الناشطين بتنظيماتهم.

بالإضافة الى خلفياتهم العائلية والإقليمية والتعليمية، يتضمن الكتاب تحليلاً للعوامل الأخرى التي تدفع الشباب للانضمام إلى الجماعات الناشطة، سواء التزموا بها أو تخلوا عن تشددها (فالقمع، إذا لم يثبط النشاط، يمكن في الواقع أن تعزز القناعة ويشديد الروابط). يحتوي الكتاب على سير ذاتية مفصلة لعدد من الناشطين. ويكشف عن تولي بعض منم مناصب وزارية بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي في عام 2011.

درست دينا الخواجة، مديرة معهد أصفري للمجتمع المدني والمواطنة في الجامعة الأميركية في بيروت ومؤسسة Agnés Favier في لبنان، السير الذاتية لعدد كم النشطاء السياسيين. لكن الجديد في نهج العياري، يكمن في استخدامه لكل السير الذاتية الفردية والتحليل الإحصائي للحصول على نتائج عامة. كما شملت دراسته اليساريين والإسلاميين، في حين يتم غالباً التركيز على مجموعة واحدة أو أخرى.

يخلص العياري إلى أن الثغرات التي شكلت الاجيال السياسية السابقة مازالت لحد كبير موجودة في تونس اليوم. قال “الانقسامات الاجتماعية والجغرافية والإقليمية والعصبيات مازالت واضحة.” مضيفاً أنه ” لطالما كان الشعب التونسي بعيدأ عن نخبه السياسية.”

يعتقد الإصلاحيون التونسيون أن لديهم مهمة تغيير المواطنين، إلا أنهم لا يثقون بـ “الشعب” وكثيرا ما ينظرون إليه بازدراء، بحسب العياري. كما لاتسمح الأنظمة الاستبدادية للنشطاء بالتواصل على نحو جماهيري واسع ليبقى السؤال ” كيف يمكن إنشاء اتصال مع الناس؟”
AddThis Sharing ButtonsShare to FacebookShare to TwitterShare to ارسال ايميل

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى