مقالات رأي

كيف يمكن لدورات “موكس” دعم تعلم النساء للعلوم والتكنولوجيا

بحثت العديد من الدراسات السبب الذي يمنع النساء من الاستمرار في دراسة كل من العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة،  والرياضيات في المرحلة الجامعية، لكن من النادر أن نجد أبحاثاً تحصي عدد النساء اللواتي سجلن واستمررن في هذه المجالات من خلال المساقات الجماعية مفتوحة المصادر والمعروفة بإسم “موكس”.

تعد الصورة الثقافية النمطية المرتبطة بدراسة العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات – والتي تصور دراسة هذه المجالات على أنها بيئة عمل جافة، والباحثون فيها غالبيتهم من الرجال البيض غالب المتفوقين دراسياً وتكنولوجيا – عاملاً هاماً في إبعاد النساء عن الاتجاه لهذه المجالات الأربع في الدراسة.

تدعم الدراسات، ومنها دراسة قامت بها باتريس برسكو، والتي شاركت في كتابة هذا المقال، نظرية وجود تأثير لعدة عوامل منها : بذل الجهود للتوعية المبكرة، ووجود قدوة يحتذى بها، وبيئة داعمة، على زيادة اهتمام النساء بمجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، ورغبتهن في تحقيق هدف فيها.

ونطرح في هذه السطور سؤالاً يختلف قليلاً. نتساءل إذا كان بالإمكان أن تصبح موكس هي إحدى الطرق التي تجد من خلالها النساء سبيلهن مرة أخرى لدراسة العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، أو ربما تكون الفرصة الأولى أمامهم للدراسة في هذه المجالات.

هل يمكن تصميم مساقات موكس بصورة تتيح مساحة للنساء لاستكشاف مسارات مهنية، أو بيئة داعمة، إذا لم يتوفر لهم الدعم من قبل، وتمكنهم من الاعتقاد أنه باستطاعتهن النجاح؟

ركزت باتريس في بحثها على عودة  نساء غير تقليديات لمقاعد الدراسة، من أجل دراسة العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. وكانت كل امرأة  من هؤلاء النساء قد درست بالفعل هذه المجالات سابقاً، لكنهن لم يستمررن في دراستهن لعدم توفر بيئة داعمة أو أهداف واضحة أمامهن.

لاحقاً مرت النساء بـ “نقطة تحول”، حيث تضافرت جميع العوامل لتحفزهن على العودة إلى مقاعد الدراسة لنيل الشهادة الجامعية في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. كل واحدة من هؤلاء النساء مرت بنقطة تحول، مكنتها من أن ترى المزايا الكامنة في سعيها وراء أهدافها التي عنت لها الكثير. ربما حصلن على توجيه من معلم أو من بيئة داعمة.

وهنا لابد من  السؤال: هل يمكن أن تكون فرصة الدراسة من خلال موكس هي إحدى نقاط التحول هذه؟

لم تكن دراسة الرياضيات صعبة بالنسبة للنساء في الدراسة التي قامت بها باتريس، امتلكت النساء شغفاً بالرياضيات. بالرغم من ذلك، لم يفلحن في تذكر معلم واحد يمكن أن يتواصلن معه ويساعدهن على دراسة  العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. وربما تعرضن لما يمكن أن يسمىى “الصراع غير الملحوظ” – وهو ما تصفه موسوعة ويكيبيديا على أنه صراع غير ملحوظ ضد مجموعة مهمشة إجتماعياً – من زملاء سواء نساء أو رجال، أو من أساتذتهن، وربما أيضاً من المجتمع، يؤدي لإثناءهن عن مواصلة مسيرتهن التعليمية.

بدأت الكثير من النساء دراستهن في الهندسة، لكن أصابتهن خيبة الأمل ولم ينتهين من دراستهن. أو ربما استطعن الحصول على الشهادة الجامعية، لكن لم تثابرن لتكوين مسيرة مهنية  (ينطبق المثل على كاتبي هذا التقرير).

ربما ما تعانيه النساء هو غياب وجود تجارب ملهمة لنماذج يحتذى بها، أو غياب تجربة دراسية في المجالات الأربعة حققت أهدافاً ذات قيمة ونتائج قيمة. وربما يكون مرور النساء بعداءات خفية من زملاء رجال أو نساء أو أساتذة لهن، أو ربما من المجتمع المحيط بهن خلال مسيرتهن الدراسية الأولية، هو ما دفعهن لعدم اكمال طريق الدراسة. (اقرأ أيضاً السبب وراء ترك الكاتبة مجال علوم الكومبيوتر).

هل يمكن أن تساعد مساقات موكس النساء، اللاتي يتمتعن بتجارب حياتية واخترن العودة إلى دراسة المجالات الأربع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، على تحقيق أهدافهن الدراسية؟ هل هناك قيمة مضافة للنساء، وأيضا لهذه المجالات الأربع، في التحاق المزيد منهن بهذه المجالات؟

تُقدر نسبة النساء اللاتي يدرسن مساقات موكس، بسيدة واحدة مقابل كل أربعة رجال. وهي نسبة قريبة بصورة ملحوظة ومفاجأة من نسبة عدد الطالبات مقابل الطلاب في دراسة المجالات الأربع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. (قُدرت نسبة النساء في الشهادات الممنوحة في مجال الهندسة عام 2014 بثمانية عشر بالمئة.)

وتعد النسب الحديثة لدراسة النساء في مساقات موكس في مجال علوم الكمبيوتر كالتالي:

https://www.bue.edu.eg/

-23  في المئة في مساق علوم الكومبيوتر الذي تقدمه جامعة هارفارد CS50.

– 14 في المئة في مساق علوم الكومبيوتر الذي يقدمه معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا CS188.1x ( الذكاء الإصطناعي) و 17 بالمئة في مساق مقدمة علوم الكمبيوتر  6.00x

-20  في المئة في مساق علوم الكومبيوتر الذي تقدمه منصة كورسيرا.

-26  في المئة في خمسة مساقات تقدمها منصة إدراك في المجالات الأربعة العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، (مع ملاحظة أن نسبة تسجيل النساء في مساقات إدراك هي 42 بالمئة مقابل 588 للرجال، وترتفع نسبة استكمال المساقات بين المستخدمات عن المستخدمين.

يتزايد عدد النساء اللاتي يخترن إحدى مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات للدراسة بعد إنهاء الدراسة الثانوية، لكنهن لا يثابرن على الاستمرار في هذه المجالات سواء في فترة الدراسة الجامعية، أو في فترة الدراسات العليا، أو في المسيرات المهنية.

بحسب دراسة لمركز النساء وتكنولوجيا المعلومات، تترك 56 بالمئة من النساء، ممن لديهن الخبرة في أحد مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، عملهن أو يغيرن مسارهن المهني.

من المهم تمكين المزيد من النساء علي متابعة مسيرتهن المهنية في هذه المجالات الأربعة. فالعالم اليوم يعتمد على التكنولوجيا، وكثير من الوظائف ذات الدخل المرتفع تحتاج خلفيات في مجالات الرياضيات أو العلوم.

لو أرادت النساء أن يكن مستقلات ومعتمدات على أنفسهن، فعليهن مساندة بعضهن البعض للوصول إلى مكانة علمية واقتصادية أعلى.

بالرغم من ذلك، فعلى النساء اللاتي يعملن في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات أن يتغلبوا على الصعاب المرتبطة بالمثبطات التقليدية في مجال الرياضيات ليتمكن من الوصول للدراسات المتقدمة فها. وهو الأمر الذي سيمكنهن من الحصول على فرص عمل ذات دخول  مرتفعة في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، كما يؤثر ذلك على زيادة التركيز على مجالات البحث والابتكار وتطوير منتجات جديدة، وهو أمر بدوره يوفر وجهات نظر مختلفة تقدم قيمة مضافة، وتسمح بمزيد من المناقشة وتوفر رؤية القضايا من زوايا متعددة.

الكثير من النساء لديهن القدرة على الإحاطة بتفاصيل كل الأمور، لكنهن فقط بحاجة إلى بعض التوجيه في كيفية وضع كل أمر في نصابه الصحيح.

هل يمكن أن تكون مساقات موكس هي الجزء المفقود من الحلقة، والذي يمكن أن يساعد النساء على التغلب علي معضلة الدراسة والعمل في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات ؟

ما هي الطريقة التي نستطيع بها “إدماج  نموذج” في مساقات ونشاطات موكس، والتي نستطيع بها تمكين النساء ليس فقط من زيادة اهتمامهن بالدراسة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، ولكن أيضا من مواصلة العمل في هذه المجالات واضعين نصب أعينهن هدف ذو قيمة حقيقة؟

وبينما نواصل التفكير في القيمة المضافة لمساقات موكس، والكيفية التي يمكننا بها إدماج المزيد من النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات دعونا نتأمل كيف يمكننا أن ندعم نجاح النساء، سواء من خلال الإنترنت أو عبر وسائل أخرى من النجاح في كل المجالات. من هذه الطرق:

1- التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية:  من تجربة شخصية، شهدت مها، المشاركة في كتابة هذا التقرير، كيف أن المرأة العربية وخاصة تلك التي ترعى أطفالاً صغاراً تتوق للتعلم عبر الإنترنت، للتغلب على صعوبة الانتقال لمسافات بعيدة أو حتى قريبة، من أجل الجلوس في صفوفف الدراسة.ولكن ليس بوسع الجميع تحمل التكلفة المالية لشهادات التعليم عن بعد. كما أن البعض قد يكون مهتماً بالدراسة عبر الإنترنت من أجل تجربة التعلم في حد ذاتها.  توفر موكس لهؤلاء النساء حرية الانخراط في تجربة تعلم تستمر مدى الحياة، تجربة ذات مخاطر منخفضة، إذا ما توفت لهن الأدوات التكنولوجية اللازمة وإمكانية الاتصال بالإنترنت. وهو الأمر الذي يسلط الضوء على أهمية المرونة المتاحة في التعلم عن طريق مساقات موكس، فمواعيد استكمال التكليفات الدراسية على سبيل المثال مرنة في بعض الأحيان.

وهو الأمر الذي يجعلنا نطرح السؤال: إذا كان انشغالات الحياة هي سبب ترك النساء لدراستهن، هل تزيد المرونة المتاحة في مساقات موكس من إحتمالية استكمال النساء لدراستهن عبر هذه المساقات؟

هذه النقطة هامة، حيث توصلت دراسة حديثة إلى أن من بين 716 سيدة تعلمن في مجال التكنولوجيا، اضطررن 68 بالمئة منهن لترك وظائفهن بعد  تعرضهن للتمييز المرتبط بكونهن أمهات، بفرضية أن كونهن أمهات يجعلهن أقل تنافسية، أو التزاماً.

تقدم موكس إمكانات هائلة لتعليم مستمر مدى الحياة بالنسبة للأمهات.

فالمرونة بالنسبة للمساقات التي تحتسب كوحدات دراسية مرحب بها أيضا، لكنها أكثر صعوبة لتحصيلها. بينما في موكس الأمر أكثر سهولة.

2- إمكانية الوصول: لا تحصل العديد من النساء على فرصة في التعليم بسبب عدم وجود موارد مالية، أو تواجدهن في مناطق جغرافية بعيدة. لا يمكن التغاضي عن القيمة المضافة الكامنة في توفير وسائل تصل من خلالها النساء لفرص التعليم. ولأن مساقات موكس متاحة مجاناً، ولا تشترط متطلبات معينة للالتحاق بها، فإنها توفر السبل لأي شخص لاستكشاف مجالاً معيناً يهتم به دون إهدار وقتاً طويلاً أو مالاً ربما لا يكون متاحاً. لا يوجد أي التزام بالاستمرار في مساق ما، إذا لم يرد ذلك،  والأمر يختلف إذا ما تكلف المرء كلفة مالية ما.

إذا افترضنا أن النساء اللاتي يتوفر لهن إمكانية الوصول للإنترنت، احتجن الوصول لمساقات موكس لاستكشاف المجالات المختلفة قبل تقرير المجال الذي ربما يدفعن من أجل تعلمه، ندرك كم أن إبقاء مساقات موكس مجانية أمر مهم.

3- الكفاءة الذاتية: بأي قدر يتم توجيه أو تمثيل النساء في مساقات موكس في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات؟ هل توضع في الاعتبار طرق مختلفة للتدريس؟ هل هناك نماذج من النساء يحتذى بها؟ في هيئات التدريس،أو ضمن المدرسين المساعدين، أو المتحدثين، هل من سبيل لبذل الجهود لتقديم كلمات التشجيع وتوفير الفرص؟

4- الترابط: نحتاج إلى تصميم مساقات موكس تمكن النساء من تطوير بيئة دعم تساندهن عند الحاجة، تقدم كلمات الدعم، تقدم التوجيه والمساعدة في المسائل والأمور الأكاديمية، سواء في خلال وقت انعقاد المساقات أو بعدها.

تحتاج مساقات موكس أن تنشئ منتديات للمناقشات ولتقديم الدعم، وأيضا الحماية من الاستغلال (انظر رقم 6). كما ينبغي أن يكون متاحاً أن يعرب المستخدم عن هويته، أو يبقيها سرية.من ناحية أخرى يجب أن تشجع موكس استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لتوثيق التواصل بين الطلاب إذا ما كانت هناك رغبة لدى البعض في ذلك.

5- المناهج الدراسية: لمن تعطى الأفضلية عندما يتعلق الأمر بالمعرفة؟ يجب أن تقدم موكس محتوى يتجاوز التباينات الثقافية والجندرية، بل ربما الأفضل، محتوى يدعم الثقافات والخلفيات الجندرية المتعددة  (وهو أمر في العادة مفتقد في مجالات تدريس العلوم، التكنولوجيا، الهندسة،، الرياضيات).

يتوجب على موكس أن تخلق الاهتمام والتحفيز من خلال الأنشطة الهادفة، لتتواصل مع الطلاب، مثل إيجاد الروابط بين ما يتم تعلمه نظريا وبين ما هو موجود العالم الحقيقي.

6-الصراع غير الملحوظ: كيف يمكننا تصميم منتديات، أو أي شكل من أشكال التفاعل الاجتماعي، بطريقة خالية من التحرش الخفي، وفي نفس الوقت تعطي  الفرصة لسماع أصوات النساء بدلاً من تخويفهن أو إسكاتهن؟

دعونا نشجع النساء على الانخراط في مساقات موكس في المجالات الأربع: العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات من خلال تصميم مساقات تزيد التواصل المفتوح بين شتى أنحاء العالم. وتزيد التعاون، وتساعد النساء على تطوير شبكة من الدعم.

*كل الشكر لشريف حلاوة من مؤسسة إدراك لتقديم الإحصاءات الخاصة بمساقات إدراك.

* باتريس تورشفيا برسكو: مصممة مناهج تعليمية في جامعة كورنيل بالولايات المتحدة الأمريكية، ومحاضرة في كلية  صني إمباير ستات للدراسات العليا. يركز بحثها الحالي على كيفية اسهام تقارب التعليم والتكنولوجيا في زيادة المشاركة والاستمرارية في مهن العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.

* مها بالي: أستاذة مشاركة في مركز التعليم والتدريس في الجامعة الأميركية في القاهرة،حيث تدرس أيضاً تصميم الألعاب التعليمية. وهي مؤسس مشارك VirtuallyConnecting.org. يمكن متابعة مقالتها على مدونتها الشخصية أو على المدونة الخاصة بمجلة الكرونيكل أو على تويتر: bali_maha@

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى