أخبار وتقارير

التدريب المهني طريق اللاجئين إلى العمل في ألمانيا

وصل نور حميد، اللاجئ البالغ من العمر 27 عاماً إلى ألمانيا قادماً من سوريا عام 2014، مع بداية أزمة اللاجئين الأوروبية. الآن، وبعد أن تعلم اللغة الألمانية من تلقاء نفسه، وأبحر في النظام البيروقراطي المعقد المعروف في البلاد، واستكمل فترة تدريب تحتاج للكثير من المهارات، حقق حميد ما قد يعتبره الكثيرون الحلم صعب المنال بالنسبة لطالبي اللجوء، بحصوله على فترة تدريب كمندوب مبيعات مع شركة دويتشه تيليكوم.

قال حميد “يمكنني أن أقول بصراحة لو لم يكن الأمر متعلقاً بشركة تيليكوم، لكنت سأواجه صعوبة أكثر في فهم النظام الألماني.” مضيفاً بأن الشركة ساعدته في تأمين إقامته في ألمانيا، بالإضافة لتزويده بمسار للحصول على وظيفة.

قال “كان يمكن أن يكون الأمر أكثر صعوبة من ذلك بكثير لو أنني حاولت السير في هذا الطريق لوحدي.”

يُعتبر حميد استثناء، لكن ليس منذ فترة طويلة.

منذ الحرب العالمية الثانية، يدمج التعليم المهني الألماني بطريقة فريدة بين الحصص التقليدية والتدريب العملي، وهي الصيغة التي جعلت القوى العاملة في البلاد من بين الأمهر في العالم.

قال كلاوس هورلمان، أستاذ الصحة العامة والتعليم في كلية هيرتي للإدارة ببرلين، “إنه نموذج بالكاد يوجد في أي مكان آخر من العالم. تساهم الشركات بشكل مباشر في توفير تدريب عالي الجودة من خلال تقديم مزيج من التعليم النظري والعملي.”

لكن التعليم الصناعي الألماني، الذي كان يُعتقد أنه العمود الفقري للتعليم العالي الألماني، يتراجع بسرعة. فقد انخفض عدد المتقدمين على التعليم الصناعي في ألمانيا بشكل حاد على مدى العقد الماضي، مع استقرار عدد الوظائف المتاحة، بحسب مكتب العمل الاتحادي في ألمانيا.

الآن، مع هذه الأمواج المتدفقة من الشباب، وأغلبهم من اللاجئين من الشرق الأوسط ممن يبحثون عن عمل في ألمانيا، يمكن أن يجد البلد حلاً لمشكلة النقص في عدد المتقدمين على التلمذة الصناعية.

قال هورلمان “يجد عدد متزايد من الشركات مشكلة في العثور على عددٍ كافٍ من الأشخاص المدربين. هذا هو السبب الذي يجعل من الممكن أن ننظر للتلمذة الصناعية باعتبارها مساراً قابلاً للاستمرار بالنسبة للاجئين.”

لكنه ليس بالمسار السهل أبداً.

يمكن أن تستغرق برامج التدريب الصناعية الصارمة في ألمانيا أربعة سنوات لإكمالها إذا كان المتدرب ألمانياً. لكن اللاجئين قد يحتاجون في بعض الأحيان إلى أشهر من التدريب كشرط إضافي للبدء بالتقدم بسرعة. لا يمتلك العديد من اللاجئين ترف الانتظار طوال هذا الوقت بهدف كسب العيش الكريم، وخاصة إذا كانت لديهم عائلات.

لكن حتى أولئك الشباب السوريين وغيرهم من اللاجئين العرب ممّن يتمكنون من تكريس الوقت لتعلم مهنة جديدة يواجهون حواجز لا تعد ولا تحصى في سبيل الدخول للمجال. ويصُح ذلك بصفة خاصة إذا كانوا لا يجيدون اللغة الألمانية أو يفتقرون للمهارات الأساسية للعمل في خطوط السكك الحديدية، والمصانع، والمرافق، وغيرها من الصناعات، بحسب خبراء ولاجئين وممثلي شركات.

قال ألكساندر دينسن، رئيس فريق المتدربين في دويتشه تيليكوم الذي أشرف على حميد، “إذا لم يكن لديك الخبرة المناسبة في العمل، فمن المحتمل أنك لن تجد المزيد من الفرص. هناك معايير واحدة فقط تطبق هنا في ألمانيا، المعايير القياسية الألمانية.”

 17 فبراير 2016 - برلين، ألمانيا - يتم عمل الصيانة اللازمة لقطارات السكك الحديدية الخفيفة في مصنع دويتشه بان على مشارف برلين. بدأ المصنع في تقديم برنامجاً تدريباً داخلياً لمدة عشرة أشهر لإعداد اللاجئين ليصبحوا فنيي كهرباء.
يقدم مصنع دويتشه بان على مشارف برلين برنامجاً تدريباً داخلياً لمدة عشرة أشهر لإعداد اللاجئين ليصبحوا فنيي كهرباء.


دخل 3,000 لاجئ فقط إلى برامج التلمذة في الفترة ما بين شباط/ فبراير 2016 وكانون الثاني/ يناير 2017، بحسب مكتب العمل الاتحادي في ألمانيا. مع أنه ومنذ أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، كانت هناك 547,000 فرصة تلمذة صناعية متاحة.

قال هورلمان “ألمانيا دولة دقيقة للغاية وقانونية. وإنها لميزة أن كل شيء منظم بصرامة. مع ذلك، لا يعتبر النظام مرناً للغاية. والعقبات الإدارية لهؤلاء الناس كبيرة جداً، وليس بالأمر السهل بالنسبة لهم الحصول على مكان ما بسرعة كبيرة.”

وبهدف ملء الفراغ، أخذت مؤسسات القطاع الخاص على عاتقها تزويد اللاجئين بالدورات التدريبية المطلوبة مسبقاً والتدريب لإعدادهم لفترة تدريب في شركاتهم.

في محطة لإصلاح السكك الحديدية الخفيفة على مشارف برلين، بدأت دويتشه بان، أكبر مشغل للسكك الحديدية في أوروبا، برنامجاً العام الماضي لإعداد اللاجئين على الدقة والصرامة التي يتطلبها التدريب مع الشركة.

وفي فترة التدريب التي تستغرق عشرة أشهر، تعاقبت مجموعة من 12 لاجئ على شغل مجموعة من المسارات الوظيفية، بما في ذلك العمل كفنيين كهربائيين، وهو حقل يفتقر للعمالة الماهرة على وجه الخصوص.

يتوجب على المتقدمين إثبات مستوى متوسط من إجادة اللغة الألمانية ووجود خبرة مسبقة في المجال قبل التأهل للبرنامج. كما يقومون بأخذ دروس مستعجلة في اللغة أثناء فترة التدريب لتحسين لغتهم الألمانية.

لكن، حتى بعد عملية الفحص والتدريب، لا يزال العديد من اللاجئين يكافحون للتكيف مع الثقافة التعليمية في ألمانيا.

قال مايكل هالمان، منسق المجتمع والتلمذة الصناعية في مصنع السكك الحديدية الخفيفة في برلين، “تعتبر الدراسة المهنية، حيث يتم دمجهم بالكامل في الفصول الألمانية الاعتيادية، التحدي الأكبر بالنسبة للاجئين.”

وأضاف هالمان “من الصعب جداً بالنسبة لهم مواكبة وتيرة الدروس المهنية لأن المعلمين لا يظهرون اهتماماً خاصاً باحتياجاتهم. فهم يكتفون بالتقدم في الدرس فحسب.”

وعلى الرغم من أنه ليس متدرباً في المجال الصناعي بعد، يعرف معتصم علولة، السوري البالغ من العمر 36 عاماً، بأنه يفتقر للمهارات اللغوية اللازمة للنجاح في فترة التدريب التي تستغرق عشرة أشهر، والتي بدأها في تشرين الثاني/ نوفمبر.

قال علولة “كانت اللغة هي التحدي الأكبر بالنسبة لي – لقد كانت كارثة.” فحتى بعد الانتهاء من دورة اللغة التي تمولها الدولة لمدة ستة أشهر، فإنه لا يزال يشعر بأنه لا يزال متأخراً في إحراز تقدم ما.  

لكن مؤهلاته، مع ذلك، كانت بالضبط ما تبحث عنه شركة دويتشه بان. تلقى علولة تدريباً رسمياً كفني كهرباء في سوريا وكان يعمل في هذا المجال قبل الفرار من البلاد قبل عامين.

قامت شركة دويتشه تيليكوم بحجز 100 فرصة تدريب للاجئين. وفي هذا العام، تم ملء نحو ثلثي تلك المواقع. وبهدف دعم أولئك الملتحقين في البرنامج بالفعل، بدأت الشركة ترتيباً للإشراف المباشر بين اللاجئين والمدربين المهنيين. عمل دينسن كمرشد لحميد، على سبيل المثال، لمساعدته في التقدم في الشركة ومن خلال البيروقراطية والثقافة الألمانيتين.

يعتقد هورلمان بأن برامج كتلك الخاصة بدويتشه تيليكوم ستحقق فوائد في نهاية المطاف.

قال “حالما يتم التعرف على مشكلة ما، يتم تغيير النظام في نهاية المطاف، لكنها حركة بطيئة. نحن في هذه المرحلة حالياً. كنت أتوقع أن نرى بحلول نهاية العام لوائح مقنعة يتم وضعها لتساعد على معالجة القضايا التي تواجه اللاجئين حالياً في نظام التدريب المزدوج.”

يعتبر علولة الشخص الأكبر سناً بين المتدربين في دويتشه بان، وهو يدرك بأن السنوات التي قضاها في التدريب في سوريا لن يتم الاعتراف بها في ألمانيا أبداً. لكنه يشعر بالامتنان لإتاحة الفرصة له للمحاولة للوصول إلى المعايير القياسية الألمانية.

قال “عموماً، سيستغرقني إتقان المهنة عشرة أعوام وسيكون لدي كل المؤهلات مثل أي ألماني. لكن عندما تفكر في أن الحرب في سوريا مستمرة منذ ستة سنوات بالفعل ولم تظهر أي علامات على قرب توقفها، فإنني على استعداد لقبول كون الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى