مقالات رأي

باحث مغربي يكشف عن صلات خفية في تاريخ الموسيقى

عندما انتقل هشام عيدي إلى هارلم في منتصف تسعينيات القرن الماضي، كان الهدف من ذلك جزئياً الدراسة في كلية الدراسات العليا بجامعة كولومبيا بالإضافة لكون المشهد الموسيقي في ذلك الحي الأميركي الأفريقي التاريخي كان قد شد انتباهه.

كان عيدي مشغل دي جي طموح، وفي هارلم كان غارقاً في الموسيقى. وبصفته باحثاً، تمكن من ملاحظة أشياء أخرى بالإضافة لذلك – فقد لاحظ التأثيرات والموروثات القادمة من جميع أنحاء العالم لتلتقي في ذلك الحي، والانشغال بالإسلام ومراقبة الأميركان المسلمين في أعقاب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر.

وكان من نتائج هذه الملاحظات كتاب الباحث الحائز على جائزة، “الموسيقى الثائرة: العرق، والإمبراطورية، وثقافة الشباب المسلم الجديد” (الصادر عن بانثيون، 2014). يتتبع الكتاب الصادر عام 2014 الصلات والاتصالات الرائعة، والمتجاهلة في كثيرٍ من الأحيان، بين العالم الإسلامي والغرب. في الواقع، هناك تركيز على الطرق المعقدة التي تبنى من خلالها الثقافة والهوية من خلال التبادلات والأجندات السياسية المتقلبة في كل أعمال عيدي.

تصيبني مثل هذه الدراسات بالصدمة في وقت نحن فيه بأمس الحاجة إليها حيث تعكف الحكومات على إغلاق الحدود وحيث يطالب أنصار اليمين الدفاع عن هويات وطنية متجانسة كما يفترضون.

الموسيقى الثائرة كتاب يستكشف بصورة عميقة الشتات الإسلامي، والهويات المتبدلة والسياسة العرقية، وينظر إلى الموسيقى بصفتها المجال الذي تتم فيه مناقشة هذه السياسات والتعبير عنها “بالشكل الأكثر تأثيراً.”

من السهل أن توصي بقراءة هذا الكتاب ولكن من الصعب تلخيصه. وقد أشار المؤلف، الذي يدرس اليوم الشؤون العامة والدولية في جامعة كولومبيا، إلى الكتاب في حوار أجرته معه الفنار للإعلام على أنه “لازانيا لذيذة محشوة بإسراف”.

سيتعلم قراء كتاب “الموسيقى الثائرة” أشياءً من شأنها أن تفاجئهم – عن عربات الكرنفال ذات المنصات في البرازيل المصممة بموضوع شرق أوسطي خيالي (والمحاطة براقصات يرتدين البرقع أو الخمار وراقصين بلحى مستعارة)، وعن بعض من أوائل المسلمين القادمين إلى أميركا، والذين تم جلبهم إلى هناك كعبيد من أفريقيا، وعن مشاهد فرق الروك والبانك روك الباكستانية، وعن إعجاب موسيقيي الجاز في شيكاغو من السود بالإسلام في خمسينيات القرن الماضي.

يمتد الكتاب عبر قرون من الزمن، وينتقل من ريو دي جانيرو إلى باريس والدار البيضاء وحتى هارلم. ويفتتن عيدي بالطرق التي تسافر وتتغير من خلالها الأصوات والهويات والناس. وقد يكون السبب في ذلك أن الباحث نفسه ينحدر من جزء مهمش، رغم عالميته، من المغرب، من منطقة تعتبر نقطة وصل للثقافات الأمازيغية والإسبانية والعربية. فقد ولد عيدي في طنجة بشمال المغرب. يمتلك شمال البلاد تاريخاً من التمرد وكان مهملاً طوال عقود في ظل الملك السابق، الحسن الثاني. في الشمال، يقول عيدي إنك “تكبر لتتحدث إسبانية ركيكة، وفرنسية ركيكة، وعربية ركيكة. ولا ترى نفسك ممثلاً في المغرب.” وتركز أبحاثه الحالية على هذه المنطقة، وعلى تاريخها كجزء من الإمبراطورية الإسبانية وعلى الهجرة العابرة للصحراء الكبرى هناك.

عاش عيدي في إسبانيا وبلجيكا وحصل على منحة للدراسة في مدرسة داخلية أميركية. كما درس في كلية فرانكلين ومارشال في ولاية بنسلفانيا وكتب أطروحته الجامعية عن بول بولز، الروائي والباحث الموسيقي الأميركي الذي قضى الجزء الأكبر من حياته في طنجة.

يبحث كتاب عيدي الأول، “إعادة إنتشار الدولة: الهيمنة، والليبرالية الجديدة، وسياسات التحالف” (الصادر عن بالغريف، 2008)، في إنتقال الأفكار اليسارية بين أميركا اللاتينية والعالم العربي. وبالنسبة لكتابه الثاني، أخبر عيدي الفنار للإعلام عما يعتقده قائلاً “إسمحوا لي أن أحاول أن أقص عليكم حكاية اللقاء بين الإسلام والغرب من خلال زاوية الأممية السوداء والموسيقى.”

كما يزخر شمال المغرب بتاريخ موسيقي غني. فقد كانت طنجة، المنطقة الدولية الحرة في الفترة ما بين عشرينيات وخمسينيات القرن الماضي، نقطة لإلتقاء الفنانين والألوان الفنية. فقد جاء موسيقيو الجاز الأميركان والفرق اللاحقة مثل الرولينغ ستونز The Rolling Stones إلى هناك، ونهلوا من إلهام التعاون مع الموسيقيين المحليين.

يأتي الكتاب الثاني لعيدي، والموجه للجمهور العام، مع قائمة لتشغيل الموسيقى على الإنترنت. يحلل الأستاذ العلاقة بين موسيقى الجاز، والإسلام (حيث كان العديد من موسيقيي الجاز من الأفارقة الأميركيين المتحولين إلى الإسلام) وحركة الحقوق المدنية. كما يكتب عن موسيقى الكناوة في المغرب، وموسيقى الكباريهات العربية اليهودية من الجزائر، ويولي إهتماماً خاصاً بموسيقى الهيب هوب، “الموسيقى التصويرية للإمبراطورية الأميركية” – وهو اللون الشائع الذي يمثل الثقافة الأميركية حول العالم وينطوي على تهمة تخريبية قوية.

يكتب عيدي قائلاً “من خلال الهيب هوب، تعرف الشباب المسلم على تاريخ السود، وتعرف غير المسلمين على الإسلام. ومن خلال اللقاء بين الهيب هوب، اللغة المشتركة بين الشباب، والإسلام تولدت واحدة من القوى الأكثر ديناميكية وجدلية في ثقافة الشباب اليوم.”

وبينما كان الهيب هوب الأميركي سياسياً بشكل عميق في تسعينيات القرن الماضي، يقول عيدي إن “معظم الهيب هوب السياسي اليوم ليس من الولايات المتحدة، بل إنك تراه في باريس ودار السلام. فالإيقاعات القادمة من المغرب العربي لا تصدق.”

تسافر الأفكار والهويات والسياسات جنباً إلى جنب مع الموسيقى. فقد نظر الشباب من الشتات العربي والإسلامي في الغرب إلى حركة الحقوق المدنية، وإلى حركة “حياة السود تهم” مؤخراً، بهدف التعبير عن مشاعرهم الخاصة ومطالبهم بالإعتراف. كتب مغنو الراب في العالم العربي أغان أصبحت أناشيد للاحتجاجات وتعرضوا للسجن بسبب كلمات تنتقد الشرطة.

كما يلاحظ كتاب “الموسيقى الثائرة” المحاولات البائسة والمتغيرة التي تبذلها الدبلوماسية الغربية لدعم أشكال ثقافية معينة في العالم الإسلامي في محاولة لإصلاح الإسلام أو تعزيز أنماط معينة من الإسلام “المعتدل”. ويوثق عيدي كيف دعم المسؤولون الأميركيون في مرحلة ما التيار السُني المحافظ بإعتباره حصناً ضد المتطرفين من الأميركان السود من أمثال مالكوم إكس. وفي وقت لاحق، أيدوا الموسيقى الصوفية كوسيلة لتقويض السلفية (وهي طائفة أصولية من الإسلام تدين معظم أشكال الموسيقى واستخدام الآلات الموسيقية). حيث انتقد كل من السياسيين اليمينيين والاصوليين الإسلاميين التأثير المدمر للهيب هوب والراب.

اليوم، يعتقد عيدي أن الشباب المسلمين يتعرضون لضغوطات من الحكومات، والمفكرين، والجماعات اليمينية، والإسلاميين، والأجهزة الأمنية. قال “أنا مهتم بإستجابة الشباب لكم الضغط الذي لا يصدق الذي يتعرضون له.”

غالباً ما يُعتبر الشباب المسلم، في الغرب وفي بلدانهم، على أنهم مشكلة، ومجموعة من الساخطين المحتملين، والعاطلين عن العمل، والمعرضين للتطرف. ما وجدته ممتعاً في نهج عيدي هو الكيفية التي ركز فيها على ما يجد الشباب أنفسهم فيه متعة ومعنى. وفي حوارنا معه، شكك في “فكرة أن العديد من الشباب اليوم بمثابة وصفة لكارثة. دائما ما تتم معالجة المسألة على أنها مشكلة سياسات تنازلية: أنت بحاجة إلى وظائف، أنت بحاجة إلى مدارس. لنلقي نظرة على استراتيجيات البقاء [الخاصة بالشباب].”

وواصل حديثه قائلاً “تتحدث الكثير من أغاني الهيب هوب اليوم عن عدم الإنتماء إلى أي من جانبي حوض البحر المتوسط. هناك أزمة إنتماء، أزمة هوية.” لكن ذلك يؤدي أيضاً، بحسب عيدي، إلى خلق هويات جديدة رائعة، وإلى “جغرافيات من الحرية”. يتم الآن تأليف الموسيقى من قبل موسيقيين يتواصلون عبر الإنترنت من مدن مختلفة في جميع أنحاء العالم، فيخلطون ألواناً ومصادر متنوعة، فقد “يعلن طفل في مرسيليا عن تضامنه مع غزة وهارلم وأحد أحياء الفافيلا العشوائية في البرازيل.”

يبدو أن عيدي لا يحب شيئاً أكثر من إيجاد هذه الاتصالات وتسليط الضوء عليه. قال “هناك الكثير من التاريخ المتصل بحاجة لأن يتم الكشف عنه. وهناك الكثير جداً من التاريخ المستتر.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى