أخبار وتقارير

أوقات عصيبة للطلاب الأجانب في تونس

تونس- أثارت حادثة الاعتداء على طالبتين إفريقيتين الشهر الماضي النقاش مجدداً حول ظاهرة التمييز العنصري، بالإضافة إلى العديد من الصعوبات المالية والإدارية التي تواجه الطلاب الأفارقة والعرب الوافدين للدراسة في الجامعات التونسية.

ففي 25 كانون الثاني/ ديسمبر الماضي، تعرضت طالبتان كونغوليتان لمحاولة ذبح من شاب تونسي لم يعلن عن هويته، ممّا تسبّب لهما بجروح خطيرة على مستوى الرقبة. كما تعرّض شاب آخر لجروح إثر محاولته إنقاذهما، وتم نقل الضحايا الثلاثة إلى المستشفى، ووصفت جراح حالة واحدة فقط بغير الخطيرة.

أثارت الحادثة غضب وخوف مئات الطلاب القادمين من دول إفريقيا للدراسة في تونس وطالبوا في وقفة احتجاجية، شارك فيها متضامنون محليون وطلاب أجانب، بحمايتهم من الاعتداءات المتكررة التي تطالهم.

قال رشيد أحمد سليمان، طالب من التشاد يدرس الهندسة في السنة الثانية في بالجامعة المركزية الخاصة بتونس ويشغل منصب رئيس رئيس جمعية الطلبة والمتدربين الأفارقة بتونس، جمعية طلابية مرخصة، “ما حدث مخيف، ويدفع بالكثيرين منا للتفكير بترك الدراسة والعودة لبلادنا. نحن بحاجة للإحساس بالأمان والعدالة.”

يبلغ عدد الطلاب الأجانب في تونس أكثر من ثمانية ألاف طالب وطالبة، منهم ستة آلاف يدرسون في الجامعات التونسية الخاصة، وألفان في الجامعات الحكومية، بحسب سليمان. و يتمتع الطلاب الوافدون للدراسة في تونس بهامش واسع من الحرية بالإضافة إلى مستوى تعليمي جيد بشهادة الطلاب أنفسهم.

قال سليمان “لم يكن بوسعنا تنظيم وقفة احتجاجية لو لم يكن هناك قوانين تسمح بحرية الاحتجاج والتظاهر.” موضحاً أن غالبية الطلاب الأفارقة يختارون الدراسة في تونس بسبب جودة التعليم والنشاط الكبير في مجالي الثقافة والفنون.

مع ذلك، يواجه الطلاب الوافدون صعوبات عديدة. إذ يسدد الطلاب وسطياً خمسة آلاف دينار (2,500 دولار أميركي) سنوياً كرسوم تسجيل ودراسة في الجامعات التونسية الخاصة. كما يواجهون صعوبات في استئجار سكن خاص، خاصة مع رفض البعض تأجير طلاب أفارقة أو طلب مبالغ مرتفعة لقاء ذلك.

قالت دوركا سيليزنغويلي، طالبة من إفريقيا الوسطى في السنة الثالثة إدارة أعمال في بالجامعة المركزية الخاصة، “يفضل الكثيرون تأجيرنا دون عقود مسجلة، لتجنب دفع الضرائب. لكننا بحاجة لعقود رسمية لإجراءات الإقامة.” مضيفة أن الأجار يمكن أن يرتفع في أي وقت دون رقابة وهو الأمر الذي يشكل عبئأ إضافياً على الطلاب.

مؤخراً، بدء الطلاب الوافدون يواجهون صعوبات في الحصول على تصريح بالإقامة دون وجود أسباب واضحة لذلك، وهو الأمر الذي يحرمهم الطلاب من التأمين الصحي المجاني ومزايا استخدام النقل العمومي المجاني.

وكان الطلاب المحتجون قد استغلوا الوقفة الاحتجاجية ضد حادثة الاعتداء على الطالبتين للتنديد أيضاً بعدم منحهم بطاقات إقامة منذ العام الماضي وزيادة رسومها إلى 300 دينار (130 دولار أميركي) عوضاً عن 65 دينار (29 دولار أميركي).

قال جان فرديناد، طالب من التشاد في السنة الثانية في كلية الهندسة المعمارية بجامعة خاصة، “معظمنا يدرس هنا على نفقته الخاصة بسبب الظروف الصعبة التي تشهدها بلادنا أمنياً واقتصادياً، نحن بحاجة إلى قوانين واضحة وثابتة فيما يخص الرسوم الدراسية وإصدار الإقامات لنتمكن من الإستمرار في دراستنا.”

يقر حسان اليحمدي، الأستاذ في معهد الصحافة وعلوم الإخبار -مؤسسة جامعية تونسية- بوجود بعض الممارسات العنصرية تجاه الطلاب الأفارقة. قال “أنا مصدوم كحال الكثيرين من الأكاديميين التوانسة بوجود ممارسات عنصرية تجاه الطلاب الأفارقة. لكنني وبحكم خبرتي أعتقد أنها ممارسات فردية وليست سلوكاً عاماً.”

يؤمن اليحمدي بدور الجامعات في تصحيح السلوك الخاطئ وفتح باب التواصل والحوار. قال “لابد من معالجة مفاهيم إجتماعية خاطئة بالنقاش والحوار أولاً لحماية صورة تونس كأول بلد عربي دعا للحرية في المنطقة العربية وثانياً لأهمية الحفاظ بل زيادة أعداد الطلاب الأجانب في جامعتنا لدعمها اقتصادياً.”

يتفق عبد اللطيف الخماسي، مدير الجامعة الخاصة للدراسات العلمية والتكنولوجية، على أهمية وجود طلاب أجانب في الجامعات التونسية. قال “كنا البلد الإفريقي الأول في جذب الطلاب الأجانب لجامعاتنا قبل 2011 . لايجب أن نسمح بأي ممارسات سلبية تعيق تدفق الطلاب الأفارقة لجامعاتنا.”

من جهة أخرى، يمثل الطلاب العرب في تونس حوالي 30  في المئة من مجموع الطلاب الأجانب، معظمهم من فلسطين وموريتانيا واليمن والأردن وليبيا. وعلى الرغم من أن الطلاب العرب لا يواجهون ممارسات عنصرية من أي نوع ، إلا أنهم يواجهون صعوبات أكاديمية على رأسها لغة الدراسة.

قال ابراهيم شرف الدين، طالب يمني يدرس الدكتواره في اختصاص التربية  في جامعة تونس الحكومية ضمن برنامج تبادل طلابي مدعوم من قبل الحكومة، “اللغة الفرنسية عائق كبير بالنسبة للكثير من الطلاب العرب، في اليمن ندرس باللغة العربية مع بعض الانجليزية. لذلك توجب علي دراسة الفرنسية لفترة جيدة قبل البدء بالدراسة الفعلية.”

يدرس غالبية الطلاب العرب في الجامعات التونسية ضمن منح تبادل طلابي مدفوعة من قبل حكوماتهم. لكن خلال العامين الماضين، بدأ الطلاب العرب المبتعثون من اليمن وليبيا بمواجهة مشكلات مالية تهدد إستمراريتهم في الدراسة. إذ تتسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية في كلا البلدين بتأخر تسديد رسوم دراسة ومصاريف الطلاب المبتعثين، فضلاً عن الضغوطات النفسية نتيجة ابتعادهم عن بلادهم وذويهم وصعوبة التواصل معهم بسبب الصراعات الدائرة.

قال إيراهيم “أنا عالق هنا ولم أتمكن من زياردة بلادي منذ عامين. أنا محظوظ لأنني أتابع دراستي الأن لكن الحرب مؤلمة.”

بدوره، يؤكد محمد خالد، طالب ليبي يدرس في السنة في إدارة الأعمال في الجامعة العربية الخاصة، ورئيس اتحاد الطلبة الليبيين الجديد على المستوى التعليمي المتميز في الجامعات التونسية لكن واقع الطلاب الوافدين قاسي.

قال “أعرف الكثير من الأصدقاء الذين توقفوا عن الدراسة قبل حصولهم على الشهادة الجامعية نتيجة الظروف المادية الصعبة وانخفاض قيمة الدينار الليبي إلى حد كبير.”

أما الطلاب السوريين، فعددهم لا يتجاوز مئتي طالب وطالبة ومعظمهم يحمل الجنسيتين السورية والتونسية (إما أن تكون الأم سورية أو الأب سوري). إذ يستحيل دخول مواطنين سوريين للبلاد منذ عام 2012 بسبب توقف التبادل الدبلوماسي بين البلدين بحسب نديم أنطاكي، طالب ماجستير سوري في كلية الحقوق وعضو اتحاد الطلاب السوريين بتونس.

قال “أثرانقطاع العلاقات الدبلوماسية بصورة كبيرة على الطلاب السوريين خاصة مع عدم وجود جهة سورية توثق أوراقهم وهو ما يتسبب ببعض المشكلات مع إدارة الجامعات التونسية. ناهيك عن عدم إمكانية معادلة الشهادات بعد التخرج حالياً لنفس السبب.”

يتفق الطلاب الوافدون أفارقة وعرب على أهمية فرصة الدراسة في الجامعات التونسية، لكنهم أيضاً يعانون من صعوبات خارج أسوار جامعاتهم تجعل من رحلتهم الدراسية رحلة مرهقة ومهددة بالتوقف.

قال سليمان “نحن نحب تونس ونثق بجامعاتنا والمجتمع المدني الذي يحاول مساعدتنا على الإستمرار في دراستنا من دون أي مشكلة.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى