أخبار وتقارير

دراسة تدعو لإعادة النظر بجودة التعليم العالي في الإمارات

بعد عقدين من النمو الهائل لقطاع التعليم العالي فيها، أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة الغنية بالنفط أكبر مركز للتعليم العالي الدولي في العالم. لكن دراسة حديثة تشير إلى أوجه قصور جدية في جامعات وكليات البلاد.

كتبت المؤلفة الرئيسية للدراسة سناء عاشور، الأستاذة المساعدة في قسم التربية بكلية الخوارزمي الدولية في أبو ظبي، “على الرغم من وجود العديد من هيئات الجودة والهيئات التنظيمية في دولة الإمارات العربية المتحدة، إلا أن جودة التعليم العالي في البلاد لا تزال موضع نقاش.”

وبشكل أكثر تحديداً، تقول عاشور إن العديد من الخريجين يفتقرون إلى المزايا والمهارات التي يطلبها أرباب العمل، وأن العديد من المؤسسات الخاصة – والتي تشكل الغالبية الساحقة من الكليات والجامعات في البلاد – ذات جودة منخفضة.

نُشرت الدراسة، التي تحمل عنوان “العوامل الداعمة أو المعيقة لبناء نظام تعليم عالي أقوى في الإمارات العربية المتحدة”، في مجلة إدارة وسياسة التعليم العالي، وهي دورية تخضع لتقييم الأقران.

إستندت الورقة البحثية على مراجعة شاملة للدراسات الموجودة ولم تتضمن إجراء أية بحوث تجريبية جديدة. وبحسب عاشور، فقد اشتكى أصحاب العمل، في إستطلاعات عديدة، من إفتقار خريجي الكليات والجامعات في البلاد للمهارات المطلوبة.

وعوضاً عن الإنزعاج من الإستنتاجات الناقدة للورقة البحثية، كانت السلطات الإماراتية مهتمة بسماع المزيد عن النتائج. حيث إلتقت عاشور بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي في دولة الإمارات العربية المتحدة، ونائب الوزير، فضلاً عن مستشاري الوزير.

قالت عاشور إنهم “يعرفون بأن هذه هي المشاكل” معلقة على الضعف الذي أشارت إليه في دراستها، وأن السلطات تعمل على وضع إستراتيجية لمعالجتها.

منذ اكتشاف النفط هناك في ستينيات القرن الماضي، أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من أغنى دول العالم وأسرع الدول نمواً. مع ذلك، فإن جهودها لتطوير نظام تعليم عالي تعكس مشاكل مشابهة لتلك المشاكل التي تواجهها العديد من البلدان الأخرى في العالم النامي.

تأسست أول جامعة إماراتية عام 1977، وتعتبر اللغة الإنجليزية لغة التدريس في معظم مؤسسات التعليم العالي. ويقول الأساتذة إن الطلاب يواجهون صعوبات في كل من اللغة العربية الفصحى واللغة الإنجليزية على حد سواء.

قال  سينثيل ناثان، المؤسس المشارك ورئيس شركة Edu Alliance، وهي شركة إستشارات تعليمية مقرها أبو ظبي، “الغالبية العظمى من الطلاب الذين يتخرجون من المدارس الثانوية العامة غير مستعدين للتعليم العالي.”

بهدف إعدادهم، توفر معظم المؤسسات “برامج تأسيس” لدخول الطلاب. وتستغرق تلك البرامج في العادة سنة واحدة على الأقل وتكون مصممة لزيادة كفاءة الطلاب في اللغة الإنجليزية والرياضيات وغيرها من مواد أساسية قبل أن يبدأوا دراستهم الأكاديمية.

وبحسب عاشور، تأتي برامج التأسيس على ما يقرُب من 30 في المئة من الإنفاق على التعليم العالي.

أعلنت السلطات الإتحادية عن خطط لإنهاء برامج التأسيس في المؤسسات الحكومية الثلاثة في البلاد – والتي يسجل فيها ما يقرُب من 30 في المئة من إجمالي الطلاب – بحلول العام 2018. ويقول مراقبون بأن هذا يهدف للضغط على المدارس الثانوية في البلاد لتخريج طلاب مهيئين بشكل أفضل. لكن لا يزال من غير الواضح إذا ما كان هذا الهدف ممكناً.

يقول مراقبون إن جودة التعليم العالي في الإمارات يبدو أنها قد حققت بعض المكاسب في السنوات الأخيرة حيث أن السلطات قد إتخذت خطوات لتعزيز الرقابة. ففي هذا الصيف، وضعت وزارة التعليم العالي الإتحادية ثلاث جامعات خاصة أخرى تحت المراقبة. لتنضم بذلك إلى إثنين من الجامعات الخاصة الأخرى التي منعت من تسجيل طلاب جدد بسبب أوجه قصور مختلفة.

لكن الجودة المنخفضة للعديد من المؤسسات الخاصة لا تزال مشكلة أساسية. فبالإضافة إلى مؤسسات التعليم العالي الحكومية الثلاثة، تم منح 70 مؤسسة خاصة أخرى، إعتباراً من عام 2013، التراخيص من قبل وزارة التعليم العالي بالإضافة لسبعة مؤسسات أخرى قيد الإنشاء. وفي الفترة من عام 2008 وحتى عام 2013، إرتفع معدل إلتحاق الطلاب في جميع المؤسسات المرخصة من 52,926 إلى 128,279 طالب وطالبة.

تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة البلد الرئيسي في إستضافة فروع دولية للجامعات، مع نحو من 35 فرعاً لكليات وجامعات أجنبية. تتألف البلاد من سبع إمارات مستقلة، وتضع كل إمارة السياسة التعليمية الخاصة بها. وقد تعاونت أبو ظبي مع عدد من المؤسسات الأجنبية المرموقة، بما في ذلك جامعة نيويورك، وجامعة السوربون في باريس، حيث فتحت كلا الجامعتين فروعاً جامعية ذات تقدير عال لهما هناك.

لكن إمارة دبي إتبعت نهجاً مختلفاً، من خلال إنشاء “مناطق حرة” يتم السماح فيها للمؤسسات الأجنبية إقامة فروع جامعية مملوكة بالكامل للمؤسسات الأم مع حد أدنى من الرقابة. وترديداً لآراء نقاد آخرين، تقول عاشور إن العديد من تلك المؤسسات تقوم بالدرجة الأساس بتوظيف أعضاء هيئة تدريس بدوام جزئي مع مؤهلات ضعيفة وتثقلهم من خلال القيام بكل أعباء التدريس الثقيلة والمهام الإدارية. قالت “لا يتوفر لديهم الوقت لتطوير تعليمهم أو القيام بأبحاث. في العادة، يفضل أصحاب (المؤسسات الخاصة) الأرباح على الجودة.”

لقد كان هنالك عدد أكبر من المؤسسات الخاصة في السابق، لكن، وخلال الأزمة المالية التي بدأت عام 2008 أغلقت تسعة مؤسسات على الأقل أبوابها بعد أن فشلت في إستقطاب عدد كاف من الطلاب.

تدعو عاشور ونقاد آخرون لتعزيز الرقابة على مؤسسات التعليم العالي. تقوم لجنة الإعتماد الأكاديمي، وهي وكالة تابعة لوزارة التعليم العالي، بترخيص وتفويض الجامعات والكليات. لكن الإعتماد مسألة إختيارية بالنسبة لعدد كبير من المؤسسات في المناطق الحرة.

تقول الباحثة إن المسؤولين، وخلال لقاءاتها بهم في الوزارة، قد أقروا بوجود نقص في ملاك لجنة الإعتماد. قالت عاشور، “ليس في إمكانهم التعامل مع العدد الكبير من الطلبات المقدمة من مؤسسات التعليم العالي.”

تدعو عاشور لإجراء عدد من الإصلاحات، بما في ذلك إستبدال التقييم الذاتي بزيارات ميدانية للحرم الجامعي من قبل لجنة الإعتماد، فضلاً عن رفع الحد الأدنى من المؤهلات المطلوب توفرها في أعضاء هيئة التدريس، وإيجاد ضمانات للحرية الأكاديمية.

كما أن هناك حاجة للمواءمة بين آليات ضمان الجودة الثلاثة الموجودة، بحسب عاشور، وهي: لجنة الإعتماد في الوزارة الإتحادية، ووكالات الإعتماد العاملة في أبو ظبي ودبي (بالإضافة لوكالة جديدة قيد الإنشاء في إمارة رأس الخيمة)، فضلاً عن اللجنة الدولية لضمان جودة الجامعات التي توفر رقابة ضعيفة للغاية على المؤسسات في المناطق الحرة.

تمتلك الإمارات العربية المتحدة عدداً من أفضل المؤسسات في العالم العربي، بما في ذلك الجامعة الأميركية في الشارقة، بحسب ما تقرره مقارنات دولية مثل التصنيفات العالمية. لكن التصنيفات لا تعتبر في العموم مقياساً جيداً لجودة التعليم، ويقول خبراء إن معدل جودة التعليم المنخفض نسبياً، إلى جانب مستوى الأبحاث المنخفض للغاية، يجعلها في موضع غير جيد للمقارنة على الصعيد الدولي.

مع ذلك، يشير المراقبون إلى أنه قد تم إنجاز الكثير في العقود الأربعة القصيرة التي إنقضت على بداية التعليم العالي في دولة الإمارات العربية المتحدة. قال المستشار ناثان، “إن [تطوير] ثقافة الدراسة لنيل الدكتوراه وإجراء البحوث مسألة تطور. أعتقد بأننا سنرى الكثير من ذلك في غضون 10 إلى 15 سنة. لقد إستغرقت جامعة هارفارد مئة عام للخروج من دراسة اللاهوت فحسب والبدء في إجراء بحوث أكاديمية.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى