مقالات رأي

هل توجد فجوة أجيال بين الأساتذة والطلاب العرب؟

في مؤتمر عُقد في الجزائر الربيع الماضي، قارن أستاذ في منتصف العمر جيله بالطلاب الذين يقوم بتدريسهم. وقال إنه عندما كان شاباً، كان يعتقد بأن الذهاب إلى الجامعة إمتياز ووسيلة للمساهمة في بناء مستقبل بلاده. بينما يأخذ طلابه التعليم العالي وكأنه من الأمور المسلم بها، وينظرون إليه على أنه “حقهم”. على الرغم من أن الكثير منهم غير مؤهل حقاً للوصول إلى الدراسات العليا، بحسب مايعتقد.

كما عبرت أكاديمية أخرى بلطف عن أسفها لافتقار الطلاب للإحترام. فعندما كانت طالبة، كان من المألوف أن تتوقف وتعرض على الأستاذ حمل كتبه. لكن الطلاب في الوقت الحاضر، كما تقول، لن يحجموا عن المساعدة فحسب بل “قد يقومون بدفعك جانباً على السلالم”. فضلاً عن كتابتهم لرسائل بريد إلكتروني من سطر واحد، مستغنين عن المقدمات المهذبة.

لقد سمعت شكاوى من هذا القبيل من أساتذة من جميع أنحاء العالم العربي: بأن الطلاب فظين، إتكاليين يريدون كل ما هو جيد من دون السعي لتحصيله، وغير مهيئين أكاديمياً وأن أعداداً كبيرة منهم قد أغرقت الجامعات، مما أدى لانخفاض جودة الخبرات التعليمية. كما سمعت أيضاً الكثير من شكاوى الطلاب بخصوص الأساتذة: كونهم متعالين، غير خاضعين للمساءلة، ومتأخرين عن مواكبة العصر. وبأنهم، وفي أسوأ الحالات، لا يبذلون أية جهود لجعل محاضرتهم مفهومة، وأنهم يربحون من بيع ملازم المحاضرات والكتب التي يكتبونها، والتي قد يكون من الصعب – إن لم يكن مستحيلاُ – النجاح في الإمتحانات النهائية من دونها.

دفعتني هذه الإتهامات المتبادلة والمتكررة للتساؤل عما إذا كانت فجوة الأجيال بين الأساتذة والطلاب قد تكون واحدة من المشاكل الأساسية في الجامعات في المنطقة اليوم (لاسيما في الحكومية منها). ففي المؤسسات التي تفشل بوضوح في تلبية توقعات الجميع، يحرض كلا الجانبين تقريباً ضد بعضهما البعض.

يكاد أن يكون من غير المعتاد بالنسبة للشباب أن يعبروا عن استيائهم من سلطة آبائهم، وأن يثيروا اللغط من أجل التغيير. كما أن من الصعب بالنسبة للجيل الأكبر أن يجدوا الشباب جاهلين أو جاحدين. وفي العالم العربي بأسره – وبسبب النمو السكاني وندرة وجود الفرص – فإن هناك توتراً شديداً على وجه الخصوص بين جيل أكبر أخذ كل الوظائف المتاحة تقريباً، الوظائف التي توفر السلطة، والمكانة، والفوائد المالية، والجيل الأصغر الذي ينتظر دوره بفارغ الصبر. وعليه فمن غير المستغرب أن تتواجد سلالة من هذه الدينامية الأجتماعية الأكبر في الجامعات أيضاً.

قبل بضع سنوات، أخبرني خبير في مجال التعليم بأن “الأساتذة هم المشكلة”. العديد منهم ينشر قليلاً، ولا يقومون بإجراء البحوث، وليست لديهم ساعات عمل في مكاتبهم ولا يشجعون النقاش المفتوح في الفصول الدراسية. وحرصاً منهم على سلطتهم وإمتيازاتهم، فإنهم يقفون بوجه التعليم “المتمحور حول الطالب”. إنهم يرغبون في الاستمرار بالقيام بالأشياء التي اعتادوا القيام بها دائماً، ولهذا يقاومون الإصلاحات.

على صعيد آخر، يتقاضى الأساتذة في الجامعات الحكومية أجوراً منخفضة فيما يجد أولئك العاملين في الجامعات الخاصة أنفسهم مثقلين بأعباء التدريس والعمل الإداري المضني من دون فائدة. في العديد من المؤسسات، تعتمد ترقية الأساتذة على الأقدمية والإتصالات، بدلاً من إنتاج المعرفة أو الأداء في الفصول الدراسية. وعليه، لماذا يتوجب على الأكاديميين المحفزين بذل جهد إضافي إذا لم يكونوا سيحصلون على التقدير مقابل ذلك؟

لكن السبب الرئيسي في كون الجامعات في المنطقة تتعثر في أدائها هذه الأيام لا يعود إلى كون الطلاب أقل ذكاء أو أن الأساتذة أقل إلتزاماً – الأمر يتعلق بالأرقام.

شهد التعليم العالي العربي توسعاً لا يصدق في النصف الأخير من القرن الماضي، وهناك العديد من الجامعات غير الناضجة. وفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن المجلس العربي للعلوم الإجتماعية، فإن 97 في المئة من الجامعات العربية قد أنشئت بعد عام 1950، ولم تكن 70 في المئة من الجامعات المفتوحة اليوم موجودة قبل العام 1991. ولم يشهد عدد الجامعات زيادة فحسب بل أن معدل إلتحاق الطلاب بمؤسسات التعليم العالي قد ازداد إيضاً بشكل يثير الحيرة، سنة بعد أخرى.

يؤيد العديد من الأساتذة، من حيث المبدأ، الحفاظ على مجانية التعليم العالي بوصفه حق عالمي. لكن الكثير منهم أيضاً ينظر إلى الزيادة المتسارعة في معدلات الالتحاق بالجامعات وإنعدام معايير القبول في كثير من الأحيان، وكأنها قد حكمت على جامعاتهم بالنهاية.

لكن الأساتذة من فئة عمرية معينة يجب أن يضعوا في اعتبارهم، عندما يشعرون بالإحباط، بأنهم قد تلقوا تعليمهم في ظل ظروف مختلفة جداً عن الظروف التي يعلمون فيها الآن. لقد كانوا محظوظين: فقد كانت صفوفهم أصغر من ذلك بكثير، كما أنهم كانوا متيقنين تقريباً من الحصول على وظيفة بعد التخرج. لكن الجامعات الحكومية في المنطقة تحولت بسرعة كبيرة من مؤسسات لإعداد النخب الوطنية الصغيرة إلى مؤسسات تخدم جمهوراً ضخماً – وهو إتجاه يشار إليه عالمياً باسم “تكتيل” التعليم العالي. ولهذا فإن الأساتذة، كما يبدو لي، المربكين والمزدرين بحشود من الطلاب، ويتوقع منهم أن يقوموا بالتعليم الآن.

كما أن هنالك مصادر أخرى متعددة لمشاعر العزلة بين أعضاء هيئة التدريس والطلاب. حيث أن الأساتذة الذين تابعوا دراستهم في حقبة ما بعد الاستعمار قد يكونوا قد درسوا بلغات أجنبية ويجيدون التحدث بها بطلاقة – في حين أن الغالبية الساحقة من الطلاب الذين يعلمونهم الآن من الناطقين باللغة العربية، وأن البعض منهم، في دول الخليج، قد يجدون صعوبات في كل من اللغتين العربية والإنجليزية.

من جانب آخر، تغيرت العادات والأعراف في الحرم الجامعي. حيث أن الأكاديميين من جيل معين – ممن خبروا الجامعة كمكان لشيوع السياسات التقدمية أو تحرير المرأة – يشعرون بالقلق حيال التشدد الديني لدى بعض الطلاب، ويشعرون بالصدمة لدى رؤيتهم لطالبات يصرّن على ارتداء النقاب على سبيل المثال.

في الوقت ذاته، فإن الطلاب وصلوا إلى هذا العمر في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، والعولمة، والإضطرابات السياسية. ولذلك، فإنه لا بد وأنهم يرغبون بعلاقات غير رسمية وأقل تكلفاً مع معلميهم. (في الواقع، إن واحداً من أهم عوامل الجذب للجامعات الخاصة في المنطقة، كما تشير الدراسات، هو الفصول الدراسية الأصغر حيث يتم تشجيع الطلاب على طرح الأسئلة والبدء في المناقشات).

https://www.bue.edu.eg/

إن المسؤول الحقيقي عن الفجوة بين أعضاء هيئة التدريس والطلاب هو السياسات التعليمية التي وعدت بشكل ساخر وغير مسؤول بتعليم عالي للجميع، في ظل غياب لتجهيز الجامعات بالموارد اللازمة للوفاء بهذا الوعد. وهذا هو ما حوّل العلاقة بين الطلاب والأساتذة – الذين يتوجب عليهما أن يكونا طرفي المعادلة – إلى معادلة محصلتها صفر.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى