مقالات رأي

حوار مع ستناي شامي، مديرة المجلس العربي للعلوم الاجتماعية

بيروت- في عمارة بيروتية قديمة تعود لثلاثينات القرن الماضي بين شارع الحمراء وكورنيش عين المريسة، يقع المقر الجديد للمجلس العربي للعلوم الاجتماعية، الذي تولت إدارته ستناي شامي، منذ إنطلاقته في عام 2012. يبدو المقر الجديد، على اتساعه، كخلية نحل. إذ يعج بالباحثين المقيمين والزائرين ضمن برامج المنح البحثية التي يقدمها المجلس بصورة دورية.

في مكتبها الملحق على شرفة واسعة تطل على أحياء بيروت السكنية، تحدثت ستناي شامي، الباحثة في الأنثروبولوجيا والمديرة العامة للمجلس عن نشاطات المركز خلال الفترة الماضية، وواقع البحوث الإجتماعية في المنطقة اليوم وسبل دعم الباحثين الشباب.

– كيف ترين واقع البحوث الاجتماعية في المنطقة بعد خمس سنوات من إنطلاق عمل المجلس؟

تعيش العلوم الإجتماعية في العالم العربي في أزمة منذ سنوات طويلة بسبب طبيعة المؤسسات الحاضنة لها أولاً، فالعلوم الاجتماعية مكانها الطبيعي في الجامعات الرسمية التي مع الأسف تشهد تراجعاً مستمراً. كما تغيب البيئة المحفزة على التفكير النقدي في ظل بيئة سياسية متوترة وغير ليبرالية مما يتسبب غالباً في إنتاج بحوث ضعيفة الصلة بقضايا المجتمع الملحة. لذلك وبعد خمس سنوات من العمل، قمنا بتغيير الكثير من برامجنا بما يتناسب مع هذا الواقع لكن مع الحفاظ بالتأكيد على أهدافنا الأساسية.

– ماهي البرامج الجديدة التي قمتم باعتمادها؟

في البداية، لم يكن لدينا أي برنامج موجه لطلاب البكالوريوس أو حنى الماجستير. إذ أن مرحلة إنتاج البحوث لا تبدأ إلا مع شهادة الدكتوراه، لكن نوعية البحوث التي وجدناها دفعتنا للتوجه للعمل من مراحل أولوية جداً. فالجامعات العربية في معظمها – مع الأسف-  لا تخرج طلاب على مستوى المطلوب. قمنا بتصميم برنامج تدريبي أونلاين مدته أربع اسابيع، شارك به 67 طالب وطالبة من الأردن والمغرب ولبنان ومصر ثم قمنا بدعوة 20 من الناشطين منهم لمدرسة صيفية هنا في بيروت للعمل معهم على تطوير أدوات الكتابة الخاصة بهم. أيضاً ونتيجة لغياب الوعي بأهمية ودور البحوث الإجتماعية، نعمل اليوم مع وزارات التعليم في عدة دول عربية لتنظيم زيارات دورية للمدارس الثانوية لشرح أهمية البحوث الإجتماعية وفرص العمل الممكنة من خلالها للطلاب والأساتذة وهو ما نتمنى أن يسهم في تغيير الصورة النمطية السائدة عن العلوم الاجتماعية بوصفها بلا مستقبل وظيفي في منطقتنا.  بالإضافة طبعاً إلى إطلاق برنامج “زمالات ما بعد الدكتوراه” للباحثين العرب الناشئين الذين لم يمض أكثر من 3 سنوات على نيلهم شهادة الدكتوراه لمساعدتهم  على متابعة أبحاثهم ونشرها.

– ماهي أبرز التحديات التي تواجه البحوث الاجتماعية في رأيك اليوم؟

بالطبع التمويل أمر هام جداً، وهو الهدف الأساسي من وراء إنشاء المجلس. إذ أننا لم نرغب أن نكون مركز بحثي بقدر رغبتنا أن نكون مركز داعم للباحثين سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات. لكن إلى جانب صعوبة توفير التمويل، يوجد صعوبات أخرى تتعلق بفرص النشر المتاحة أمام الباحثين. لقد قدمنا تمويلاً لنحو 130 باحث خلال السنوات الثلاث الماضية، لكن معظمهم يواجه صعوبات في النشر. لا أنكر أننا فكرنا بإنشاء مجلة لمساعدة الباحثين على النشر، لكن هذه الخطوة تحتاج لوقت وأيضاً لتمويل ونحن في الأساس نفضل أن نكون جهة داعمة للبحوث وليست ناشرة لها. هنالك أيضاً مشكلة افتقار غالبية الباحثين لمهارات الكتابة، لذلك بدأنا بتنفيذ مجموعة برامج هدفها الأساسي تطوير مهارات الكتابة لدى الباحثين ومساعدتهم على كتابة بحوثهم بطريقة تسهل عليهم النشر لاحقاً. أيضاً لابد وأن أشير إلى أهمية تعزيز أخلاقيات البحث، فهناك الكثير من القضايا الأخلاقية الإشكالية التي لا يتم تناولها. على سبيل المثال، كيف يتم فصل البحث عن الواجب الإنساني أو الاخلاقي؟ متى يتعين على الباحث التدخل أو الاكتفاء بالمراقبة. وهو أيضاً أمر نعمل على استدراكه من خلال العمل على وضع لوائح أساسية وتدريب الباحثين عليها ودعم التزامهم بها.

– إذاً ما الذي حققه المجلس خلال السنوات الماضية؟

كما ذكرت سابقاً فإن الهدف الأساسي من إنشاء المجلس كان ومازال دعم البحث وإنتاج المعرفة في مجال العلوم الاجتماعية في المنطقة العربية من خلال مؤسسة إقليمية مستقلة لا تسعى إلى الربح ومن دون أن تكون مركزاً للأبحاث أو داراً للنشر. إلى جانب توفير التمويل  لدراسة الظواهر الاجتماعية، يعمل المجلس على خلق مجتمع للباحثين أو شبكة تضمن التواصل والتشاركية. أعتقد أننا نجحنا في تحقيق ذلك بنسبة كبيرة سواء من خلال برامجنا التمويلية والتدريبية المستمرة على مدار السنة أو من خلال مساهمتنا فى تحديد احتياجات العلماء الاجتماعيين وجماعات العلوم الاجتماعية في البلدان العربية وتلبيتها. كما يسهم مؤتمرنا الذي نعقدة بصفة دورية كل عامين في ترسيخ دعائم شبكة قوية من الباحثين العرب في مجال العلوم الاجتماعية.

– ماهي نوعية البحوث التي تدعمونها اليوم؟

يتبنى المجلس تعريفاً واسعاً للعلوم الاجتماعية، يشمل الأساسية منها كالأنثروبولوجيا والديموغرافيا، ثم الاقتصاد والعلوم السياسية وعلم النفس وعلم الاجتماع، لتصل الاختصاصات المعني بها إلى الفنون والعمارة والجغرافيا والتاريخ والقانون والأدب والفلسفة والصحة العامة. وهذه المقاربة مثيرة للاهتمام لأنها تفتح حقل البحث الاجتماعي على تقاطعات تأثيرات متعددة، تماماً كما هو في الواقع، ولتشمل كل ما يتعلق بالتنمية والمرأة وقضايا المدينة والمواطنة.

– كيف يؤثر واقع العالم العربي المتوتر على البحوث الاجتماعية؟ وماهو الدور المأمول للبحوث الاجتماعية اليوم؟

السؤال صعب. إذ لايمكن تجاهل أن واقع المنطقة يزيد من الضغوط على الباحثين العرب سواء من ناحية سقف الحريات أو حتى صعوبة التنقل بين الدول العربية اليوم. هناك إحباط كبير أيضاً. في ذات الوقت، يزيد الحراك الاجتماعي الثوري من أهمية البحوث الاجتماعية لدورها في فهم وتحليل أسباب وتداعيات الحراك وأيضاً لرسم أفاق لحياة أفضل ممكنة في المستقبل. أعتقد أن هناك فرصة كبيرة اليوم أمام الباحثين للعمل بجدية لتغيير واقع البحوث الاجتماعية وترسيخ وجودها وأثرها في المنطقة. اليوم، توجد جهود كثيرة لقراءة الواقع، لكننا نحتاج لتقديم قراءة نقدية وأيضاً تصور  للمستقبل.

* تم تحرير اللقاء بهدف الإيجاز والتوضيح.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى