مقالات رأي

الاتصال بالإنترنت ركيزة التعليم الرقمي

– يأتي المقال أدناه للرد على مقال نُشر مؤخراً في الفنار للإعلام تحت عنوان “هل يشمل التعليم الرقمي دول العالم النامي؟

بينما تزداد أهمية نشر التعليم الرقمي الى الدول النامية، فإن من المغري بالنسبة لبعض خبراء التعليم بالتكنولوجيا أن يقترحوا بأن في الإمكان تفادي مسألة الاتصال بشبكة الإنترنت، من خلال إرسال أقراص مدمجة متعددة الوسائط لأولئك الذين لا تتوفر لديهم إمكانية الاتصال بالإنترنت على سبيل المثال.

ولئن كان صحيحاً أن التعلم الرقمي أمر ممكن من دون شبكة الإنترنت، فإنه ليس الخيار الأمثل – ولا يقترب من ذلك حتى – عندما نقوم بنبذ القيمة المضافة للإنترنت لما يعنيه التعلم الرقمي.

يعتبر أحد الإقتراحات المحددة التي طرحت مثالاً على ذلك، إذ ناقش الكاتب مشروعاً يتضمن عمله أجهزة “محملة مسبقاً” بموارد تعليمية، حيث يتضمن العمل الحقيقي أرشفة للمواد من قبل أمناء مكتبات متمرسين، ليعملوا مع المعلمين بهدف إيجاد محتوى ذو صلة بالواقع المحلي.

كلا، يوجد الكثير في هذه الصورة مما لا أتفق معه و أجده خاطئاً، والكثير منه  يتعلق بالحرية.

المحتوى لا يتمتع بالحياد:

إن المحتوى المعطى للمتعلم يتم منحه له من قبل شخص ما. وهذا الشخص لديه قيم، ولديه أجندة (وقد تكون أغراضه حميدة و خيرية، وربما تكون من مانح محلي حتى، ولكنها تبقى أجندة المانح وليس المتلقي). وعليه فمن المهم دائماً أن نسأل من يقوم بإختيار المحتوى، عن الغرض من وراء ذلك، وبأية طرق سيعطي هذا المحتوى الإمتياز لمجموعة معينة من الناس، والأفكار، والأيديولوجيات على حساب الآخرين.

إن أولئك الذين يقترحون بأن الإتصال بالإنترنت ليس ضرورياً بالنسبة للتعلم الرقمي في الأساس يزعمون بأنه ليس من الضروري أن يمتلك المتعلمون حق إختيار ماهية وكيفية ما يتعلمونه. ويعتبر هذا إنتهاكاً كبيراً لوكالتهم على أنفسهم.

بطبيعة الحال، بإمكان المرء أن يمتلك الحرية في العثور على ما يهمه بغياب الإنترنت، فالإنترنت ليس ضرورياً بالكامل من أجل التعلم. لكننا وإذا ما أردنا التحدث عن التعليم الرقمي، فإننا بحاجة لأن ندرك بأن التعليم الرقمي الجيد ليس التعليم الذي يخبرك عما تحتاج إلى معرفته. التعليم الرقمي الجيد هو التعليم الذي يسمح لك بتحقيق مصالحك الخاصة وفقاً للوتيرة الخاصة بك، وأن تتخذ مسارك بنفسك، وتطرح أسئلتك الخاصة بك، وليست الأسئلة التي يعتقد الآخرون بأنك تستحق طرحها أو معرفتها. و”المواد المحملة مسبقاً” فقط لا تختصر ذلك. ليست هنالك مقارنة بين نوع التعليم الذي يمكنك أن تحصل عليه من قرص مدمج والطريقة التي يمكن أن تتعلم بها من خلال الإنترنت إذا ما توفر لك الإتصال بالإنترنت والمعرفة الرقمية للتصفح والبحث بشكل جيد وتقييم مصداقية ما تعثر عليه. يجب أن نعترف بأن محرك البحث جوجل قائم على أساس خوارزمية وأنه ليس محايداً هو الآخر (لكن، مهلاً، هنالك بدائل … وقد بحثت عنها في محرك البحث جوجل وعثرت عليها). مع ذلك، فإنه لا يزال يمنحك حرية أكثر مما هو الحال مع القرص المدمج أو الكتاب المنهجي. لكن حتى محتوى الإنترنت ليس محايداً. فهو متاح بلغات العالم المهيمنة وقد لا تكون اللغات الأم لأولئك الذين يقطنون في العالم النامي (بالمناسبة، اللغة العربية هي اللغة الرابعة الأكثر شيوعاً في الإستخدام على شبكة الإنترنت، بعد الإنجليزية، والصينية، والإسبانية – وهو إنجاز كبير بالنظر لمعدلات الأمية في العالم العربي) كما أن أدوات الترجمة الآلية المتوفرة حالياً للأسف مضحكة ودون المستوى على حد سواء. وهذا ما سيقودني للنقطة التالية.

حرية إنتاج المرء للمحتوى بنفسه

من بين أهم التطورات في الإنترنت على مدى السنوات الـ15 ماضية أو نحو من ذلك قدرة وحرية الأفراد في إنشاء المحتوى الخاص بهم. وهذه ليست مجرد أشياء تافهة مثل تحديثات الحالة على الفيسبوك وفيديوهات الحيوانات الأليفة. فما عليك إلا أن تقارن بين مدخلات ويكيبيديا عن حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 باللغتين الإنجليزية والعربية. لتجد ذات الحقائق، وذات الأحداث، ولكن من وجهات نظر مختلفة تماماً. لأن ويكيبيديا، كما تعلم، ليست محايدة هي الأخرى، ولذلك هيمن الكتاب الموالون لإسرائيل على النسخة الإنجليزية، فيما هيمن العرب (وربما المصريون) على النسخة العربية وهكذا تتولد نسختان من التاريخ. وبهذا سيتم قراءة واحدة منهما من قبل معظم دول العالم، فيما ستتم قراءة الثانية في الغالب من قبل كتابها أنفسهم. لكن، مع ذلك، لا يزال هذا إنجازاً في أن تتوفر لك فحسب الفرصة لعرض وجهة نظر مختلفة.

حرية التفاعل مع الآخرين

لقد كتب أحدهم مؤخراً بأن “وسائل التواصل الإجتماعي تتعلق بالمحتوى“. فقمت بالتغريد له بأنني لا أتفق مع ذلك. فوسائل التواصل الإجتماعي (بالنسبة لي) ترتبط في المقام الأول بالجانب “الإجتماعي” الذي يتيح الإتصال وبناء العلاقات. وهذا واحد من أعظم نواحي التقدم في الإنترنت. وهذا لا يعني قدرة أي شخص يمتلك الإتصال بالإنترنت والمهارات اللازمة على إنتاج المحتوى الخاص به فحسب، بل قدرتنا على التواصل مع الآخرين أيضاً ومن جميع أنحاء العالم إذا ما أردنا ذلك. وقد كانت هذه الميزة متوفرة منذ الأيام الأولى للإنترنت ( مثل “IRC” والإصدارات القديمة من منتديات النقاش Discussion Forums) لكنه الآن أقوى بكثير مع وسائل التواصل الإجتماعي والطرق التي يتم من خلالها إخطار المستخدمين بالمستجدات، لاسيما مع ظهور تقنيات الهواتف المحمولة المتاحة في كل مكان والأكثر يُسراً بالنسبة لنا، نحن سكان البلدان النامية. وهناك فرص ذات نطاق ترددي منخفض (أي إنترنت بطيء)  ونطاق ترددي عالي (أي انترنت سريع و قوي لتحمل محتوى ثقيل)  بالنسبة لذلك. في مؤتمر التعلم الإلكتروني في أفريقيا الذي حضرته الشهر الماضي، فقد علمت عن طرق نجحت من خلالها دول عندها تيار كهربائي ووصول إلى الإنترنت محدودين في إنجاز العمل بغياب الإنترنت، وتوفير وقت توافر الإنترنت للأنشطة التفاعلية، وذلك بإستخدام تطبيقات الهواتف المحمولة التي تعمل جيداً في لنطاق ترددي منخفض (أي إنترنت بطيء) مثل واتس آب Whatsapp.

حرية إختيار ماهية وكيفية التعلم

بالعودة إلى أمناء المكتبات، أود أن أستخدم تشبيهاً لذلك. هنالك فرق بين إمكانية الوصول إلى مكتبة عامة وإمكانية الوصول إلى الكتب المدرسية في المدرسة. لأن الكتب المدرسية في المدرسة كتبت من قبل أحدهم لغرض معين. وهي معبأة، ومنتقاة، ومنظمة لنتيجة محددة. وهي لا تأخذ في الإعتبار مصالح وإحتياجات كل طالب على حدة. في حين تسمح المكتبة، من الناحية الأخرى، للناس بإختيار ما يهمهم في ذلك الوقت. بالطبع، هنالك شخص أشرف على المحتوى في تلك المكتبة. لكن يبقى هنالك الكثير من حرية الإختيار مقارنة بما هو متوفر في الكتب المدرسية. أنا أدرك بأن المشروع المذكور سابقاً يحاول تقديم مثل هذه المكتبة “المحملة مسبقاً” على الأجهزة. مع ذلك، ونظراً لإتساع شبكة الإنترنت، فإن أي محاولة لخلق مكتبة “مخصصة” مستخرجة من الشبكة ولكنها تتجاهل المحتويات الأخرى على الإنترنت، يعتبر محملاً لقيم مسبقة ويحد من حرية المتعلمين إلى حد كبير.

أين سنمضي إنطلاقاً من هذه النقطة؟

كل ذلك يؤدي إلى هذا: فإذا ما كنت مستثمراً أحاول دعم التعليم المستمر مدى الحياة في العالم النامي، وإذا ما أردت حقاً أن أمكنهم، فعلي إذن ألا أستثمر في المحتوى. وستكون هذه الأمور الثلاثة هي ما سأود الإستثمار فيه:

– تحسين البنية التحتية للإنترنت في أكبر عدد ممكن من المواقع.

– في المواقع التي يكون فيها تحسين البنية التحتية للإنترنت صعباً للغاية، يجب توفير أماكن عامة يمكن للناس أن يذهبوا إليها للحصول على الإنترنت لبعض الوقت في اليوم، مثل مقاهي الإنترنت أو الحافلات. وعلى الرغم من أنه لن يكون بإمكان جميع الناس إستخدام هذه الوسائل، والتي لا تمثل الخيار الأمثل، إلا إن ذلك أفضل من إنعدام وجود الإنترنت بشكل تام.

– دعم تطوير المهارات والمعرفة الرقمية من أجل تمكين الناس من التعلم ذاتياً بإستخدام شبكة الإنترنت وإدراك القوة التي يملكونها بين أيديهم إذا ما كانوا يعرفون كيفية إستخدامها بشكل جيد مما يتضمن أيضاً المقدرة على خلق المحتوى من منطلق لغتهم ووخهة نظر ثقافتهم.

* مها بالي: أستاذة مشاركة في مركز التعليم والتدريس في الجامعة الأميركية في القاهرة،حيث تدرس أيضاً تصميم الألعاب التعليمية. وهو مؤسس مشارك VirtuallyConnecting.org. يمكن متابعة مقالتها على مدونتها الشخصية أو على المدونة الخاصة بمجلة الكرونيكل أو على تويتر: bali_maha@

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى