مقالات رأي

مجلة مغربية ما تزال حاضرة في أوساط المثقفين رغم إغلاقها

إلتقى باحثون من جميع أنحاء العالم في المكتبة الوطنية للملكة المغربية في الرباط في وقت سابق من هذا الشهر لمناقشة تأثير إحدى المجلات الثقافية التاريخية. وعلى الرغم من إعتبارها مجلة هدامة في وقتها، حيث تعرض مؤسسوها للسجن بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم، إلا أن مجلة سوفل الأيقونية (أنفاس باللغة العربية) لا تزال تفتن المثقفين والفنانين المغاربة وأصبحت وعلى نحو متزايد محور البحوث الدولية.

تأسست المجلة الطليعية، التي كانت تنشر باللغتين الفرنسية والعربية، من قبل مجموعة من الأصدقاء الشباب ممن كانوا أيضاً بعضاً من أكثر الشعراء والكتاب والفنانين التشكيليين موهبة في البلاد. فقد كان من بينهم الشاعرين عبد اللطيف اللعبي ومصطفى نيسابوري، والكاتبين إدريس الشرايبي والطاهر بن جلون، والرسامين محمد المليحي وفريد بلكاهية، وغيرهم الكثير. كما أقامت المجلة إتصالات وحصلت على مساهمين من أماكن أخرى في المنطقة، مثل الشاعر السوري أدونيس.

كانت المجلة تنشر في الفترة ما بين 1966 و1971، وهي فترة مضطربة جداً في تاريخ المغرب الحديث، عندما واجه الملك الحسن الثاني إحتجاجات عامة، ومعارضة يسارية، ومحاولات إنقلاب، فكان رد الفعل على ذلك إطلاق العنان لحملة قمع شرسة – تضمنت إعتقالات، وإغتيالات وتعذيب – مما جعل تلك الفترة تُعرف بإسم “سنوات الرصاص”.

في عام 1965، وأثناء الحملة الدامية ضد الإحتجاجات التي قام بها طلاب المدارس الثانوية والعمال، قال الحسن الثاني في خطاب له، “ليس هنالك خطر يتهدد الدولة أكبر مما يسمون بالمثقفين. سيكون من الأفضل لك لو كنت أمياً.”

حلم مؤسسو مجلة سوفل “أنفاس” في إيجاد ثقافة وطنية جديدة من شأنها الإعتماد على الأشكال الأصلية للفن الشعبي من دون أن تكون تقليدية أو رجعية التوجه. وقد انتقدوا الرأسمالية الغربية والإستبداد المحلي على قدم المساواة. وبإستلهام تجارب تشي جيفارا، وجان بول سارتر، وحركة الإحتجاجات الطلابية في فرنسا عام 1968، فقد شعروا بتسمم النقاشات، وآمنوا بحرية التعبير، كما يقول جمال بالأخضر، أحد المساهمين السابقين الكثر، والذي يستذكر تجربته مع المجلة. لقد إتخذت المجلة لهجة قتالية وقد كان ذلك فتحاً جديداً في حينها، ولا تزال تبدو جريئة حتى اليوم.

وبمرور السنوات، أصبحت مجلة سوفل تنخرط بشكل أكثر صراحة في السياسة، حيث شكل العديد من قادتها حركة ماركسية لينينية جديدة. لكنها لم تتخل أبداً عن تركيزها على الثقافة. في الواقع، تشير كنزة الصفريوي، التي ألفت كتاباً عن المجلة و”آمال الثورة الثقافية” التي حرضت عليها، بأن الفنانين الذين أحاطوا بمجلة سوفل كانوا يعتقدون “بوجوب ألا يكون هنالك فصل بين الثقافة والسياسة”، وأن بإمكان الثقافة أن تكون “أداة لإنهاء الإستعمار” و”وسيلة لتوحيد المواطنين” على حدٍ سواء.

في عام 1972، تم حظر مجلة سوفل وألقي القبض على العديد من محرريها وتعرضوا للتعذيب. حيث قضى اللعبي ثمان سنوات في السجن بتهمة إرتكاب جرائم الرأي ومن ثم ذهب إلى المنفى في فرنسا.

أثرت المجلة في أجيال من المثقفين المغاربة، لكن وعلى مدى عقود من الزمن كان من الصعب العثور عليها. وفي أواخر تسعينيات القرن الماضي، وبعد لقاء مع السيد اللعبي، أخذ أكاديميان أميركيان – هما توماس سبير من جامعة مدينة نيويورك وآن جورج من كلية المجتمع واتكوم في ولاية واشنطن – على عاتقهما مهمة رقمنة جميع الأعداد. وفي الوقت نفسه، وبعد أن خلف الملك محمد السادس والده الحسن الثاني، كان هنالك قدر أكبر من الإعتراف بإنتهاكات حقوق الإنسان في الماضي، ووعود بالإصلاح الديمقراطي التدريجي.

اليوم، تتوفر أعداد المجلة الأيقونية باللغتين الفرنسية والعربية على شبكة الإنترنت من خلال الموقع الألكتروني للمكتبة الوطنية للملكة المغربية. في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2015، نشرت مطبعة جامعة ستانفورد أول مختارات من المجلة باللغة الإنجليزية. والآن نشرت دار النشر المغربية “مفترق الطرق” La Croisée des Chemins نسخاً من كافة المجلدات الأصلية للمجلة.

لماذا يستمر هذا المشروع الطليعي المُجهض في إمتلاك كل هذا السحر؟ والجواب هو أن المجلة تقدم للباحثين نافذة على فترة مضطربة في تاريخ شمال أفريقيا، فترة أثارت تساؤلات تم قمعها أو تجنبها، ولكنها لم تُعالج بشكلٍ كامل على الإطلاق. إنها مثيرة لإهتمام الباحثين في شؤون الشرق الأوسط، والأدب والثقافية العربية، ومرحلة ما بعد الإستعمار.

تحدث العديد من المشاركين في المؤتمر الذي عُقد يومي الثامن والتاسع من نيسان/ أبريل في الرباط عن ما يعنيه لهم إكتشاف المجلة على الصعيد الشخصي. وقد بدوا سعداء للقاء كتابها المشهورين والكبار في السن شخصياً، أو لتواصلهم مع غيرهم من الباحثين الذين يتشاركون معهم ذات الإهتمامات. كما أصر العديد منهم أيضاً على مدى وثيق الصلة التي تمتلكها المجلة ذات الخمسين عاماً بالواقع اليوم. فقد واصل صدى إهتمامها بالعدالة الإجتماعية، والحرية الفردية، والهوية الوطنية – ورؤيتها للثقافة بوصفها شكلاً من أشكال الحراك السياسي الضروري والهادف – بالتردد، على جانبي البحر المتوسط، بحسب الأكاديمية والشاعرة والناشطة الإسبانية لورا كاسيّاس، ولاسيما في هذه الفترة من “خيبات الأمل في التحولات الديمقراطية” التي تبدو وكأنها بلا نهاية.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى