مقالات رأي

رسالة من أكاديمي سوري: نحن جزء من الحل

لا يختلف حال الأستاذ الجامعي السوري عن حال أي مواطن سوري إضطرته ظروف الحرب التي تشهدها بلادنا منذ خمس سنوات للنزوح إلى دول الجوار. إذ نعاني جميعاً من صعوبات معيشية واقتصادية بغض النظر عن وضعنا التعليمي وخبراتنا الأكاديمية، خاصة في ظل تقلص المساعدات المالية المقدمة من المؤسسات الدولية، وغياب أي سياسات تسمح لنا بالعمل بصورة قانونية.

قبل اندلاع الثورة في سوريا عام 2011، احتضنت خمس جامعات حكومية ما يقارب 7.500 أستاذ جامعي بدرجات علمية واختصاصات مختلفة ولمعظم الكليات العلمية والنظرية واللغوية. اليوم، نزح أكثر من 2.000 أستاذ جامعي من البلاد. عاد منهم عدد قليل جداً إلى جامعته الأم التي حصل منها على شهادة الدكتوراه، بينما يجاهد غالبيتهم في العثور على فرصة عمل. ففي تركيا، على سبيل المثال، يوجد أكثر من 600 أستاذ جامعي سوري بلا عمل. كما يوجد نحو 250 أكاديمي في الأردن ولبنان وعشرات الأساتذة في مصر والعراق. ويوجد نحو 500 أستاذ جامعي في المناطق المحررة في شمال سوريا أيضاً بلا عمل نتيجة القصف العشوائي المستمر وصعوبة التنقل بين المدن.

في المقابل، هناك مئات الألاف من الطلاب السوريين الذين لم تمكنهم ظروف الحرب من استكمال تعليمهم العالي. وتشير العديد من التقارير الدولية إلى صعوبات تواجه تعليم الطلاب السوريين في دول الجوار يتركز معظمها حول صعوبة التأقلم مع المناهج وأساليب الدراسة الجديدة. إلا أن هذا التحدي الكبير ممكن أن يتحول إلى فرصة لنا نحن الأساتذة السوريين.

يمتلك الأستاذ السوري خبرة واسعة في أساليب التدريس والمناهج التي اعتاد عليها الطالب السوري في السابق، كما أن الأستاذ السوري الأكثر قدرة على تفهم الظروف النفسية والمعيشية التي يعيشها الطالب السوري خاصة وأنه في الغالب يعيش مثلها. وبالتالي فإن فتح الباب أمام الأستاذ السوري للمشاركة في تعليم الطالب السوري في دول الجوار يشكل فرصة كبيرة لمساعدة الطلاب أولاً والأساتذة ثانياً سواء على الصعيد الاقتصادي أو على المستوى النفسي. فإلى جانب الخبرات التي نمتلكها، نحن نرغب بتقديم المساعدة لطلابنا وبلدنا التي أنهكتها الحرب وأعادتها عشرات السنين للوراء.

وهنا لابد من التأكيد بأن منح فرصة للأساتذة السوريين للمساهمة في تعليم الشباب السوري لا يعني إطلاقاً إستثناء أو إبعاد الأساتذة المحليين. على العكس، المطلوب هو تضافر الجهود والتعاون بين الأساتذة المحليين ونظرائهم السوريين بما يضمن تمكين الطالب السوري من الحصول على أفضل معرفة وأيضاً الاندماج في المجتمع المضيف بشكل صحيح.

كما أننا نتطلع إلى فرصة تمكننا من إستئناف عملنا في البحوث. ولأن الكثير من الدراسات تجري وستجري حول الوضع السوري اليوم وخطط إعادة الإعمار مستقبلاً، فإن إشراك الباحثين السوريين في هذه الدراسات من شأنه أيضاً أن يسهم في تقديم دراسات أكثر قابلية للتطبيق لاحقاً.

مع الأسف، فإن معظم المبادرات التي تستهدف مساعدة السوريين – بما فيها المبادرات السياسية- تتعامل معنا باعتبارنا عنصر متلقي فقط. إن تغيير هذه النظرة والبدء باعتبارنا المكون الأساسي للحل، سيخفف الأعباء بصورة كبيرة على الدول المستضيفة وأيضاً على المؤسسات الدولية كما أنه سيساعد على إيجاد حلول حقيقية يتفاعل معها السوريين باعتبارهم شركاء فيها وليس فقط متلقين لها. وبالمثل فإن ازدياد اهتمام الحكومات العربية والمؤسسات الدولية بإيجاد فرص لتعليم اللاجئين السوريين مؤخراً، يقدم فرص جيدة لتحسين أوضاع تعليم اللاجئين السوريين وربما أيضاً أوضاع الأساتذة السوريين في حال تم الالتفات إلينا واعتبارنا جزءاً ممكناً من الفرص الممكنة.

*عمار الإبراهيم، أستاذ جامعي، حاصل على دكتوراه في الاقتصاد الزراعي.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى