مقالات رأي

توقعات 2016: أفراد وليس حكومات سيقودون التغيير في قطاع التعليم

لم يشهد قطاع التعليم العام الماضي اختلافاً عما سبقه من أعوام في عالمنا العربي. إذ استمرت الاحتجاجات داخل المؤسسات التعليمية وخارجها، وازدادت وتيرة الانتهاكات التي تطال الحريات الأكاديمية وارتفعت نسب البطالة لتطال أكثر من 30 في المئة من الشباب جراء النزاعات في المنطقة ونقص الاستثمارات التي تساهم في تأمين الوظائف.

بل شهد العام الماضي مشكلة جديدة تمثلت في ارتفاع أعداد الطلاب اللاجئين والنازحين. فمع تسجيل النزاعات في المنطقة مستويات جديدة من الدمار والترويع وانتشار القتل والخطف والاعتقال التعسفي للطلاب والمعلمين وطواقم التعليم، وصل عدد الأطفال خارج المدرسة أو المهددين بتركها في الدول المتأثرة بالنزاعات المسلحة بشكل مباشر أو غير مباشر إلى أكثر من 21 مليون طفل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحسب تقرير اليونيسف الأخير. كما خرجت أكثر من 8,850 مدرسة وأكثر من 100 مؤسسة أكاديمية عليا في سوريا والعراق واليمن وليبيا من الخدمة نتيجة تعرضها للضرر أو التدمير أو لاستخدامها في إيواء العائلات المهجرة أو لأن أطراف النزاع تحتلها.

لا تتوفر –مع الأسف–  تقارير دولية ترصد أعداد الطلاب المنقطعين عن الدراسة الجامعية في المنطقة، إلا أن قراءة سريعة في الواقع السوري تكشف جزءاً من حجم الكارثة. إذ أن أقل من 6 في المئة من الطلاب السوريين يلتحقون بالجامعات اليوم، بينما كان 25 في المئة منهم يدرسون بالجامعة قبل اندلاع الحرب. وعلى الرغم من ازدياد الاهتمام الدولي بهذه القضية الهامة، إلا أن الجهود المبذولة، وتحديداً في دول الجوار العربية، مازالت أقل بكثير من الطموح والاحتياج. كما أن المشكلة لا تتعلق بالطلاب السوريين وحدهم، رغم ارتفاع عددهم اليوم، إذ تغص المنطقة بطلاب لاجئين من اليمن والعراق وليبيا والصومان والسودان جميعهم يحتاج إلى مساعدة ليتمكنوا من إستكمال تعليمهم.

شخصياً، لا أعتقد أن الأمور ستتغير كثيراً نحو الأفضل في العام الحالي. فمع مرور خمس سنوات على اندلاع شرارة الربيع العربي، لم تشهد أي دولة ممن عصف بها “الربيع” أي نوع من الاستقرار السياسي أو النمو الاقتصادي. بل على العكس، شهدت غالبيتها المزيد من أعمال العنف والاعتقال وكبت الحريات وإعادة فرض لقانون الطوارئ أيضاً. ومع غياب الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي، لايبدو أن أي من الحكومات العربية ستعير انتباهاً لقضايا التعليم في القريب العاجل.

مع ذلك، هناك فرصة لإحداث تغيير.

فأنا لا أعول على سياسات حكومية رسمية، رغم كوني لا أنكر أهميتها، لكنني أراهن أكثر على المبادرات الفردية لأشخاص ومؤسسات أكاديمية تؤمن بأن التعليم وسيلة تغيير وتطوير على المدى الطويل.

أعلم أن تغيير مقرر واحد في منهاج أي كلية عربية يحتاج إلى سلسلة طويلة من الإجراءات البيروقراطية، وربما موافقات وزارية أو مراسيم رئاسية. لكن تبني أسلوب تدريس يعتمد على الحوار والتفكير النقدي يحتاج فقط إلى إرادة حقيقة من قبل المدرس لفتح باب النقاش لأي موضوع علمي أو أدبي بعيداً عن أسلوب التلقين الذي عفا عنه الزمان وولى.

https://www.bue.edu.eg/

إن امتلاك بعض الأساتذة لروح المبادرة كفيل بخلق فارق كبير. ففي إحدى الجامعات الحكومية في بلد يرزح تحت وطأة حرب مستعرة، تمكن أستاذ من إدخال مقرر جديد في منهاجه الدراسي العام الماضي بشكل غير رسمي من خلال متطلب غير إلزامي. ووظفت أستاذة جامعية في بلد عربي أخر تطبيقات التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع طلابها والإشراف الحثيث على مشاريع تخرجهم. كما تمكنت مبادرة صغيرة لشاب جامعي في المساهمة بتعليم أطفال الشوارع في إحدى العواصم العربية بصورة أكثر فاعلية من كل الاستراتيجيات الوزارية التي تم وضعها لمحاربة الأمية في هذا البلد.

خلال العام الماضيين، نشرنا بعض القصص عن مواهب أكاديمية عربية أثبتت كفاءة ونالت استحساناً دولياً. مع الأسف، معظم هذه المواهب العلمية برزت في الجامعات الأجنبية. بالطبع تلعب الميزانيات المرصودة لدعم البحث العلمي دوراً كبيراً في هذا المجال، لكن الإيمان بالمواهب الشابة وفتح المجال أمامها للإبداع والتجريب يمكن أن يتيح أيضاً الفرصة أمام بروز بعض المواهب في جامعاتنا المحلية. تبني بعض الإداريين والأساتذة لسياسات تشجيعية للطلاب والباحثين على المستوى المعنوي والأدبي سيسهم في تحريك الركود العلمي الذي نشهده وربما يتبعه تشجيع باستثمارات مالية.

وفي الوقت الذي تنهمك فيه بعض الجامعات الحكومية في محاربة اتحادات الطلاب ونشاطاتها، يتوجه الكثير من الطلاب لإنشاء مجموعات طلابية غير رسمية تقوم بنشاطات خدمية وتعليمية وثقافية تثير الإعجاب كما يفعل فريق ملهم التطوعي في الأردن أو مجموعة خطوة في مصر. كما تعمل شبكات مستقلة تضم باحثين وأساتذة عرب على تشبيك الجامعات بعضها البعض وتبادل الخبرات والمعارف الأكاديمية من دون الحاجة إلى عقد أي اتفاقيات رسمية.

وبينما تستمر الحكومات العربية في وضع العراقيل أمام التحاق الطلاب اللاجئين من مختلف الجنسيات بالجامعات، تسعى مؤسسات معظمها صغير أو متوسط الحجم لتوفير منح تعليمية للاجئين. لست في معرض انتقاد سياسات حكومية ليست بجديدة، لكنني أرغب بالإشارة إلى مبادرات موجودة فعلياً قد تبدو للكثيرين غير مؤثرة لصغر حجمها أمام حجم المشكلات التي يواجهها التعليم في بلادنا والقيود التي نواجهها. إلا أن هذه المبادرات، الفردية وغير الرسمية، يمكن أن تكون الوسيلة الوحيدة الممكنة حالياً لإحداث فارق خاصة في قطاع التعليم. إن ازدياد هذه المبادرات، التي قوامها طلاب يشكلون أجيال المستقبل، وانتشارها سيحولها مع الوقت لجماعات ضغط تؤثر في الرأي العام وقد تؤثر على السياسة.

أعلم أن كثيرين يرون في المبادرات الفردية محاربة لطواحين الهواء، لكنها بالنسبة لي السبيل الوحيد للحفاظ على الأمل بالتغيير في عالم لانملك فيه إلا زمام تغيير أنفسنا.

* رشا فائق، مديرة التحرير في الفنار للإعلام. 

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى