مقالات رأي

دول الخليج: أرض خصبة للبحوث

حيثما تمضي السياسة، فإن الأبحاث الأكاديمية تلحق بها في الغالب. في السنوات الأخيرة، تسبب زيادة نفوذ وتدخلات الدول المنضوية تحت خيمة مجلس التعاون الخليجي في أنها أصبحت محور الاهتمام في الكثير من الدراسات البحثية. وبينما تبدو مهمة دراسة هذه البلدان الغنية والإستبدادية صعبة، فإن المتخصّصين يقولون إنها ضرورية لفهم المنطقة العربية اليوم.

كتب عادل حمايزية، طالب الدراسات العليا في جامعة أكسفورد وأحد محرري المجلة الجديدة المختصة بشؤون دول مجلس التعاون الخليجي، قائلا، “على حكومات دول مجلس التعاون الخليجي أن تعيد النظر في عقودها الإجتماعية، لتركز على تطوير القوى العاملة الوطنية التي تمتلكها، ولا يعني ذلك الخريجين الأكاديميين فحسب، بل المهارات الفنية والعملية التي يتطلبها سوق العمل أيضاً.”

تم تكريس العدد الأول من المجلة لمناقشة قضية مثيرة للجدل تتعلق بسوق العمل في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تشكل العمالة الوافدة ما نسبته 45 في المئة من السكان. حيث أشارت المقدمة التي كتبها حمايزية بأن سوق العمل تمتاز بإنقسامات متجذرة من قبيل: وطني – غير وطني، وقطاع خاص وقطاع عام، وذكور وإناث، والعمالة المهنية والعمالة المكتبية، والجيل أكس X (أولئك المولودين بين أوائل الستينيات وأوائل الثمانينيات) والجيل Y (أولئك الذين ولدوا بين أوائل الثمانينيات ومطلع القرن الحادي والعشرين)، فضلاً عن إنقسامات على أسس القرابة القبلية وحتى الإنتماءات الطائفية المتزايدة.

تعد المجلة إضافة أخرى لمجال دراسات منطقة الخليج المتسع بسرعة. ويأتي التركيز المتزايد على المنطقة بسبب إتخاذ دول من قبيل المملكة العربية السعودية، وقطر، والإمارات العربية المتحدة زمام المبادرة في أعقاب الربيع العربي، عبر التدخل مالياً وعسكرياً -وبشكل متهوّر كما قد يقول البعض- في الصراعات الدائرة في مصر، وليبيا، وسوريا، والبحرين، واليمن.

قال يوجين روغان، مدير مركز الشرق الأوسط بكلية سانت أنتوني بجامعة أكسفورد، “إن مركز القوى آخذ في التحول حقاً. في شرق أوسط مضطرب، تبدو منطقة الخليج أكثر أهمية، وأكثر وضوحاً من أي وقت مضى، والحاجة لدراسة منطقة الخليج أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.”

يتخذ نهج المجلة الجديدة طابعاً متعدد التخصصات وتشمل محللين ومسؤولين حكوميين من المنطقة. يخلط الناس من الجوانب المتضادة في النقاش وجهات نظرهم في المجلة الجديدة. فبينما يناقش فرانك هاغمان من منظمة العمل الدولية الإنتهاكات الواسعة بحق العمال الأجانب، بما في ذلك الحالات التي تقترب من العمل بالسخرة، قال عقيل الجاسم، المدير العام للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل والشؤون الإجتماعية في دول مجلس التعاون الخليجي، إن التحدي الأكبر الذي تواجهه المنظمة هو أن تشرح للباحثين الأجانب خصوصية البيئة في الدول الأعضاء، وتبيان كون المشاكل التي تواجه العمالة الوافدة مجرد جزء صغير بالمقارنة مع العديد من قصص النجاح للتعاون الإيجابي بين العمالة الوافدة وأصحاب العمل المحليين.

أما بخصوص العلاقة بين التعليم وسوق العمل، فقد لاحظ العديد من المساهمين بأن إستخدام عائدات النفط لضمان توفير وظائف القطاع العام للمواطنين قاد الشباب في منطقة الخليج لمتابعة دراستهم الجامعية بهدف الحصول على شهادات كأوراق إعتماد فحسب، وليس بسبب إهتمامات شخصية أو لتلبية متطلبات سوق العمل. القليل من الشباب يُقبلون على دراسة العلوم، والتي تشهد طلباً في القطاع الخاص وتعد المفتاح لبناء إقتصاديات المعرفة التي تقول جميع دول الخليج إنها تهدف لبنائها.

من جهة أخرى، قامت جامعة أكسفورد بتعيين توبي ماثيسن، المتخصص في شؤون الخليج، في أحد المناصب في مركزها المتخصص بشؤون الشرق الأوسط. تمتلك جامعات بريطانية أخرى عديدة بالفعل برامج قوية لدراسات الخليج، بما في ذلك كلية لندن للإقتصاد، حيث تم إنشاء البرامج بتمويل من دولة الكويت وإمارة أبو ظبي، فضلاً عن جامعة كامبريدج. لكن في عام 2013، ألغت كلية لندن للإقتصاد مؤتمراً أشرفت على تنظيمه في الجامعة الأميركية في الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة، عندما تم منع أحد المشاركين، الذي كان من المقرر أن يتحدث عن الإنتفاضة في البحرين، من دخول البلاد.

كما تم منع العديد من الأكاديميين الآخرين الذين تحدثوا بصراحة بخصوص قضايا من قبيل معاملة العمال المهاجرين من دخول الإمارات العربية المتحدة مؤخراً. حيث تفرض جميع الدول في المنطقة العديد من القيود على حرية التعبير، بحسب تحليل نشرته مجلة مفتاح وكما ناقشت المسألة منظمات مثل منظمة العفو الدولية.

يحذر النقاد من أن الجامعات الغربية تعطي شرعية لأنظمة إستبدادية وتنخرط في رقابة ذاتية. ويقول باحثون آخرون إن هنالك ثمة مجال للتعاطي الناقد، وبأن الإنخراط في نشاط علني، بالنسبة للأساتذة، يمكن أن يعني الهزيمة الذاتية.

تعد الأحداث من قبيل إلغاء مؤتمر كلية لندن للإقتصاد مقلقة للغاية، بحسب روغان، بخصوص إغلاق مجال التعاون الحقيقي بين الجامعات في الغرب والمنطقة. قال “على الباحثين تحديد مستوى التعاطي النقدي الذي يرغبون في الحفاظ عليه من دون أن يهدموا الجسور مع البلد المضيف. وقد يكون ذلك إشارة منه إلى أن يكون في مقدورنا، كباحثيين غربيين، دفع الحدود بطرق لا يستطيع الباحثون المحليون القيام بها، وتأطير الروايات بشكل يجعل المحرمات أكثر قبولاً.”

لكنه يعترف بأن هناك موضوعات سيكون من الصعب جداً مناقشتها بحرية في الجامعات أو المؤتمرات الأكاديمية في المنطقة في الوقت الراهن. قال روغان “إن الصراع السني-الشيعي، والإنقسام الخليجي-الإيراني هو الموضوع الأكثر حساسية في المنطقة اليوم، كما إنه الموضوع الذي تقع على عاتقنا، كباحثين، المسؤولية الأعظم في معالجته.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى