مقالات رأي

حوار مع الباحث المثير للجدل ستيفن سلايطة

دخل ستيفن سلايطة دائرة الأضواء الأكاديمية والإعلامية في عام 2014 عندما ألغت جامعة إلينوي في أوربانا-شامبين عرض العمل الذي كانت قد منحته إياه عقب بعض التعليقات التي أدلى بها عبر وسائل التواصل الإجتماعي. أثار فسخ العقد المثير للجدل تساؤلات هامة حول حرية التعبير. وفي خريف هذا العام، نشر سلايطة كتاباً جديداً من التأملات بعنوان “شعائر غير متحضرة: فلسطين وحدود الحرية الأكاديمية”، تكلم فيه عن تجربته في الفصل من العمل والقضايا الكبرى التي أثارها ذلك الحدث.

تلقى سلايطة أنباء تفيد بأنه لن يسمح له في واقع الأمر الإنضمام إلى هيئة التدريس في جامعة إلينوي في أوربانا-شامبين قبل أقل من ثلاثة أسابيع من بداية الفصل الدراسي الخريفي. وفي غضون ذلك، تلقى عرضاً بالحصول على أجر محدد، وتلقى رسالة الترحيب الخاصة به، وتم تخصيص مكتب له في الجامعة، وتم إبلاغه عن الدورات التي سيقوم بتدريسها. كما كان قد استقال من منصبه في جامعة فرجينيا تيك  وباشر في البحث عن أماكن للسكن في ولاية إلينوي.

أخبر فيليس وايز، رئيس جامعة إلينوي، سلايطة بأن مجلس أمناء الجامعة لن يوافق على تعيينه بسبب سلسلة من التغريدات على موقع تويتر، انتقدت بشدة تصرفات إسرائيل خلال حرب تموز بين غزة وإسرائيل. حيث كتب في واحدة من تلك التغريدات قائلا، “في هذه اللحظة، إذا ما ظهر نتنياهو على شاشة التلفاز مرتديا قلادة مصنوعة من أسنان الأطفال الفلسطينيين، هل سيتفاجئ أحدهم؟”

وما أن احتدمت المعركة، حتى تبين بأن جهات مانحة بارزة قد ضغطت على الجامعة لإتخاذ هذا القرار. وقال أنصار سلايطة إن حقه في حرية التعبير قد أنتهك.

الآن، وبعد أكثر من عام، بدأت الإجراءات القانونية. إستقال وايز من منصبه، ووجد سلايطة منزلاً جديداً، وانضم إلى هيئة التدريس في الجامعة الأميركية في بيروت كأستاذ يشغل كرسي إدوارد سعيد في الدراسات الأميركية. تمكنت من الوصول إلى سلايطة، الذي يصف نفسه بأنه خجول ومراع للآخرين كشخص، حتى لو كان صريحاً ككاتب. التقيت به في حرم الجامعة الأميركية في بيروت، حيث كان يقضي باكورة أمسيته في المعلب مع ابنه. فتحدثنا عن الإنتقال إلى بيروت، وإرتباطاته الشخصية بالشرق الأوسط، والإجراءات القانونية الخاصة بقضيته، والحرية الأكاديمية.

– انتقلت مؤخراً إلى الجامعة الأميركية في بيروت. ما هي إنطباعاتك حتى الآن؟

أنا هنا منذ شهرٍ من الزمن. إنطباعاتي مبشرة بحق. أنا أحب طلابي. وزملائي رائعين حقاً. بيروت فوضوية بشكل لا يوصف؛ إنها مليئة بالتناقضات. إنها ليست مملة أبداً أياً ما تكن عليه. أنها تجربة جيدة حتى الآن. لا أزال أتعلم كيف تسير الأمور في هذه الجامعة، وهذه المدينة، وهذا البلد. لدي شعور بأن معرفة كل شيء سيستغرق بعض الوقت، ولكنني مستمتع لحد الآن.

https://www.bue.edu.eg/

– كيف هم طلابك هنا في لبنان مقارنة مع الطلاب الذين اعتدت على تدريسهم سابقاً في الولايات المتحدة الأميركية؟

كما تعرف فإن حجم العينة قد يكون صغيراً جداً بالنسبة لي لكي أدلي بتصريحاتٍ حاسمة. لكن وحتى الآن، فإن ما أراه وبوضوح هو فهم أكبر للعالم العربي ودهاء سياسي للطلاب أوسع بقليل عما هو عليه من خلال تجربتي في الولايات المتحدة.

هناك الكثير من الطلاب في الجامعة الأميركية في بيروت يتدربون ليصبحوا أعضاءا بارزين في الطبقة الحاكمة، لكن وفي الوقت نفسه، هنالك الكثير من الأفكار المتطرفة هنا. الطلاب يتعلمون هذه الأفكار ويتبنونها، ولهذا فهو فضاء مثير للإهتمام. إنهم يواجهون الكثير من الأفكار السائدة في الأوساط الأكاديمية في الولايات المتحدة. هنالك معارضة عميقة ومعقدة للإمبريالية الأميركية، والإمبريالية الإسرائيلية، والنزعة العسكرية، وللفساد هنا في لبنان.

– وأنت هنا في الجامعة الأميركية في بيروت، هل شعرت يوماً بأنك واعظ يكرر الخطاب في جوقة، خصوصا عندما يتعلّق الأمر بالقضايا المرتبطة بإسرائيل وفلسطين؟

نعم، لدي هذا الشعور. قد لا يكون من المنصف فعل ذلك، ولكنني نوعاً ما أعتبره أمراً ثابتا نظراً لإمتلاك الطلاب لوعي دقيق بشأن الإستعمار الإسرائيلي والضرر الذي ألحقته الصهيونية بالعالم العربي. وفكرتي هي أنهم، وبغض النظر عن سياستهم، فإنهم على الأقل على دراية بهذه الرواية. لذلك، أنا أحاول العمل خارج تلك الإفتراضات مع تأطيرها لهم داخل فضاء تحليلي يمكننا من الدخول في محادثات عميقة وأكثر جديّة حول الآثار الناجمة عن الإستيطان الإسرائيلي، أكثر بكثير مما يمكنك القيام به في الوسط الأكاديمي الأميركي كقاعدة عامة.

– هل يمكنك أن تحدثني قليلا عن الكيفية التي أدت بك للقدوم إلى الجامعة الأميركية في بيروت في نهاية المطاف؟ وهل كانت هذه الجامعة على قائمة الخيارات الخاصة بك قبل ما حصل لك مع جامعة إلينوي في أوربانا-شامبين؟

لقد ألقيت محاضرات سابقاً في الجامعة الأميركية في بيروت، لذلك فقد كان هناك نوع من الألفة مع المكان. وقد اقترح الكثير من الناس أن أتقدم على كرسي إدوارد سعيد، معتقدين بأنني سأكون مثالياً لشغله، أو أنه سيكون مثالياً بالنسبة لي، آخذين بنظر الإعتبار خلفيتي الثقافية، وإهتماماتي الأكاديمية. لطالما رغبت في العمل والتدريس في العالم العربي. والجامعة الأميركية في بيروت مكان رائع لعدة أسباب لكي تقوم بذلك.

– ما الذي تعتبره رسالتك الشخصية، أو ما الذي ينبغي لرسالة الجامعة الأميركية في بيروت أن تكون عليه لإحداث تأثير ذو معنى في المنطقة؟

بالنسبة لي، أنا أتعلم من طلابي بقدر، إن لم يكن أكثر، ما يتعلمونه هم مني، وهذا شيء رائع. والجامعة الأميركية في بيروت، كما تعلم فهي جامعة للنخبة، وباهظة الثمن، وخاصة، ومسورة، وعليك أن تمر من خلال العديد من البوابات قبل أن تصل إلى الحرم الجامعي، ولطالما اعتقدت بأنه سيكون من الرائع لو امتلك المزيد من الناس الفرصة للوصول إلى الموارد الموجودة في ما أعتقد بأنه حرم جامعي ثري، على الأقل ثري وفقاً لمعايير بلاد الشام والعالم العربي بشكلٍ أوسع. تطمح الجامعة الأميركية في بيروت لتكون رائدة في المنطقة. إنها تقوم بعملٍ عظيم، ولكن إذا ما أريد لها أن تكون رائدة في المنطقة، فإنها بحاجة لإبقاء إهتمامها متمركزاً حول إحتياجات الناس، وإحتياجات المنطقة. وأعتقد بأن جزءاً من مسؤولياتها ينبغي أن يتمثّل في التفكير بطرق لتخفيف المشاكل، كالتخفيف من حدة الفقر والفساد السياسي. إنها تتوفر على ملاك تدريسي من طبقة عالمية تحت تصرفها ومن أنواع مختلفة من الخبرات، ولهذا فإنها تمتلك الموارد لحشد الحلول لكثيرٍ من القضايا التي تواجهها البلاد والمنطقة بشكلٍ أوسع.

– أنا أفهم بأنه ومع كونك مواطن أميركي، فإن أسرتك تنحدر من أصول أردنية/فلسطينية. فهل ترعرعت وأنت تزور الشرق الأوسط أو تتحدّث اللغة العربية؟

لقد نشأت وأنا أستمع للغة العربية. لدي نوع من الفهم غير الفعال لهذه اللغة، وهو ما أحاول إصلاحه في فترة تواجدي هنا في بيروت. لم أزر العالم العربي حتى أوائل العشرينيات من عمري. ومنذ ذلك الحين، زرت لبنان أربع أو خمس مرات. وزرت فلسطين مراتٍ قليلة. وزرت الجزائر أيضاً. وتواجدت في الأردن عدة مرات. لكن الحصول على تصريح إقامة وتوظيف هنا شيءٌ مختلف. فقد بدا الأمر وكأنني أكثر إنخراطا هنا في هذه المنطقة عما كنتُ عليه من قبل.

– إنتقالا إلى موضوعاتٍ أخرى، ما هي آخر أخبار إجراءات المحكمة الخاصة بك في الولايات المتحدة؟

في الشهر الماضي، أصدرت جامعة إلينوي في أوربانا-شامبين الكثير من رسائل البريد الإلكتروني بناءا على طلب قانون حرية المعلومات، وقد انتهت هذه الرسائل للمساهمة بقدرٍ كبير من الدراما وكشفت، إلى حدٍ ما، عن بعض الفساد الذي يشوب عملية صنع القرار لديها، وليس فقط في اللحظة التي فصلت فيها بل في الأشهر اللاحقة أيضاً. وقد نقض القاضي الإتحادي تحرك الجامعة لرفض قضيتي. من الناحية القانونية لم يحدث أي شيء منذ ذلك الحين. هنالك قيادة جديدة في الجامعة الآن، وفي هذه اللحظة نحن فقط في إنتظار الحصول على ردٍ منهم. ومع إستمرار الدعوى، سيكون الإدلاء بالشهادة الخطوة التالية على الأجندة. وسيشمل ذلك القيادة التي استقالت من منصبها أو تم إستبدالها من مواقع السلطة وعملية الإكتشاف، حيث سيتوجب علي وعلى الجامعة تسليم أية مستندات ذات صلة بالقضية.

– كيف كان شعورك حيال ردة فعل وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية الأميركية بشأن قضيتك؟

لا أزال متأثراً للغاية حيال الأمر برمته. لقد تلقيات من الدعم ما يفوق بأطنان من لم يدعمني. من الواضح أنني لم أتلق دعماً من مراكز القوى الإدارية في الجامعات. لكن وعلى مستوى القاعدة الشعبية، كان الدعم غير إعتيادي. وقد شمل ذلك أناساً أختلف معهم أيديولوجيا وبشكلٍ كبير بخصوص الصهيونية أو السياسة الأميركية الخارجية. وقد شكل الدعم سلسلة كاملة حقّاً، من اليسار المتطرف وحتى الليبراليين على أساس حرية التعبير. لقد جعلني ذلك إنساناً أكثر تفاؤلاً بكثير. وأعتقد بأن للقضية المقدرة حقا، بغض النظر عن الكيفية التي ستحل بها، لتحافظ على زخمها كحركة مكرسة لمواجهة الفساد الإداري والقيود المفروضة على الحرية الأكاديمية. لقد كان شيئاً رائعا أن تعرف إلى أي مدى لم تعد هيئة التدريس، والطلاب، والموظفين، وأفراد المجتمع راغبين حقّاً في الإستمرار في سلوك هذا المسار المدمر لمؤسسات التعليم العالي.

– ما هو رأيك بخصوص تعاون الجامعة الأميركية في بيروت مع الشركات التي تمارس أعمالها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأسماء بعضٍ منها مدرجة على لائحة حركة “حملة المقاطعة وسحب الإستثمارات وفرض العقوبات”؟

لقد علمت بهذا الأمر. فعلى الأقل واحدة من كليات الهندسة تحمل إسم شركة بكتل، وهناك مقهى لشركة نستله في الحرم الجامعي. وأعتقد بأن الجامعة الأميركية في بيروت تمتلك عقداً خاصاً مع شركة HP. أعتقد بأن هذه القضايا هي التي يتوجب على الطلاب، وأعضاء الهيئة التدريسية، والمجتمع مقاومتها والضغط عليها. نحن نريد من الجامعة الأميركية في بيروت، تماماً مثل أي مؤسسة أخرى ولكن بشكلٍ خاص كمؤسسة تقع في العالم العربي، ألا تتعامل مع أيٍ من الشركات التي تتواطأ بشكلٍ مباشر أو غير مباشر مع الإستيطان والإحتلال العسكري لفلسطين. على أقل تقدير، سترغب في أن تقوم الجامعة بقطع علاقاتها مع الشركات التي تستفيد من الإحتلال الإسرائيلي.

– هل يمكنك أن تتوقّع حدوث حالة معاكسة “مناقضة” لحالتك في حرم جامعة مثل الجامعة الأميركية في بيروت؟ على سبيل المثال، إذا ما كان هنالك أستاذ موالٍ جدّا للصهيونية وأدلى بتصريحات أو تغريدات تدعم وجهة نظرهم؟ وإذا ما تم فصلهم من العمل هل سيكون الأمر إشكاليا بذات القدر؟

أتصور بأنه قد كان هناك بعض من أعضاء هيئة التدريس في الجامعة الأميركية في بيروت ممن لديهم بعض التقارب مع إسرائيل أو على الأقل بعض العداء تجاه الفلسطينيين. لكن إذا ما تم توظيف أحدهم اعتماداً على مؤهلاته، واستناداً إلى علم أصول التدريس، أو منحة دراسية أو أي شيء آخر، ولم يكن هناك أي دليل يشير لكون الأستاذ أو أيّا يكن قد شارك في مخالفات أو سوء سلوك مهني، فإنني سأكون مستاء للغاية إذا ما فقدوا منصبهم بسبب وجهات نظرهم السياسية. فكروا بالأمر بهذه الطريقة، لقد هيمنت الصهيونية على الجامعات الأميركية لفترة طويلة. ولهذا توجب على من هم منا ممن اعتادوا الصراحة في الحديث عن حقوق الفلسطينيين، أن يخوضوا جدالا وسط معارضة قوية. تلك هي الطريقة التي تسير بها الأمور والتي نفهم أنها ستمضي بها، لكننا لا نتوقع أن نفقد وظائفنا بسبب معارضة الصهيونية أو السياسة الإسرائيلية. إذا ما أراد أحدهم في الجامعة الأميركية في بيروت أن يعرب عن تأييده لإسرائيل، أتصور أنهم سيواجهون معارضة “كلامية” قوية جداً لمواقفهم السياسية، لكنني آمل أن خصومهم السياسيين لن يسعوا إلى أن يتم فصل عضو هيئة التدريس واللجوء لذلك كخيارٍ أول. يجب أن تكون حركة التضامن الفلسطينية أفضل من هذه التكتيكات القمعية والتي ظلت لفترة طويلة السمة المميّزة للنشاط الصهيوني.

* تم تحرير هذه المقابلة بهدف الإيجاز والوضوح.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى