أخبار وتقارير

امرأة من عصر النهضة في مكتبة الإسكندرية

الإسكندرية– تعرف هدى الميقاتي عن مكتبة الإسكندرية أكثر من أيّ شخص آخر. بصفتها مهندسة كهرباء، بدأت الميقاتي عملها في شبكة الكابلات والأسلاك أثناء إنشاء المكتبة.

منذ ذلك الحين، وضعت خبرتها الهندسية جانباً وإرتقت في صفوف المكتبة لتصبح رئيسة لمركز التواصل الثقافي التابع لها، حيث سعت لتحقيق وعد المكتبة بأن تحل محل نظيرتها التاريخية.

أسس الإسكندر الكبير، الذي منح المدينة الكبرى إسمه، تلك البلدة الساحلية في العام 331 ق.م. وقد كانت مكتبة الإسكندريّة الإسطورية واحدة من أكثر مؤسسات العلم والتعليم مكانة في الحقبة الكلاسيكية. وبصفتها مركزاً للتعليم، إمتدّ تأثيرها ليتجاوز سواحل البحر المتوسط المصرية– إذ كانت النصوص والكتابات تقطع المسافات الشاسعة لتصل إلى المكتبة على متن السفن الداخلة إلى ميناء المدينة. لكنّها إختفت بشكلٍ مأساوي مع كامل لفائفها وما تحمله من ذخيرة معرفيّة.

في الحقيقة إنّها أكثر من مجرد مكتبة. فهي مكان للبحث والتعليم، ومتحف ومركز معارض في الوقت ذاته. ويقع المجمّع في مبنى حديث للغاية على شكل قرص تم بناؤه من الجرانيت المنقوش جيء به من جنوب مصر.

تمتلك الميقاتي في مكتبها منفذاً إلى شرفة ذات إطلالة على الكورنيش والواجهة البحرية، وعبر المياه، تلوح قلعة الإسكندرية في الأفق، والتي يعتقد بأنّها بنيت من أنقاض المنارة الإسطوريّة المفقودة في الوقت الحالي.

تحاول الميقاتي جعل تأثير المؤسّسة ملموساً خارج مصر من خلال إنشاء شبكات تعاون مع مراكز بحوث عربيّة وأفريقيّة مماثلة.

رأت الميقاتي بأن معظم مراكز الأبحاث في أجزاء أخرى من العالم قد شكلت جمعيات تربطها معاً ليبلغوا بعضهم بعضاً بما يقومون به ولإيجاد فرص للتعاون حيثما كان ذلك ممكناً. إذ تمتلك الولايات المتّحدة الأميركيّة مراكز جمعيّة العلوم والتكنولوجيا ASTC، فيما تمتلك أوروبا “شبكة مراكز العلوم والمتاحف الأوروبية” ESCITE، وهي مجموعة مراكز علميّة، ومتاحف، ومنظّمات أخرى. لكن عندما يتعلّق الأمر بأفريقيا والشرق الأوسط، فليس هنالك شيءٌ من هذا القبيل.

https://www.bue.edu.eg/

تقول الميقاتي “كنت أعرف بشكلٍ جيد ما كان يجري في كندا والولايات المتحدة، لكنني لم أكن لأمتلك أدنى فكرة عما يجري في ليبيا أو المغرب. ليس هذا بالأمر الجيّد.”

مكتبة الإسكندرية (تصوير بنجامين بلاكيت)

فيما يتعلّق بدورها في المكتبة، نسّقت الميقاتي لإنتاج أوّل فيلم قبّة سماوية عربي، وأنشأت متحفاً لعلوم التدريب العملي، حيثُ يتمّ تشجيع الزائرين على لمس المعروضات والتفاعل معها، كما ساعدت في تنظيم معارض علميّة ذات عناوين معيّنة. وحمل آخر معرض عنوان “الأرض، والريح، والنار”. لكنّها تقول إنّ واحداً من أكثر الموضوعات إثارة للإهتمام كان “النفايات من البحر”، حيث سعوا لتثقيف أطفال المدارس حول آثار النفايات في المحيط، وهي مشكلة بارزة بشكلٍ واضح على طول الواجهة البحريّة لمدينة الإسكندريّة.

سبّبت حماستها الحازمة إنقطاعاً متكرّراً في المحادثة، لكنّ الأمر يسهل التغاضي عنه – وليس مزعجاً – لأنّه لا يبدو وكأنّه ناجم عن شعورٍ بالغطرسة.

مع ذلك، فإنّ تلك الصفة تزعج بعض الناس بلا شك، تقول الميقاتي “أنا شغوفة بعملي، لكن قد أكون محجمة أحيانا. الناس لا يحبّون ذلك – لهذا أنا أعمل على هذا الموضوع.”

تعتبر الميقاتي شخصاً ذو مهاراتٍ متعدّدة أثبتتها بنفسها. فقد تخرّجت من جامعة الإسكندريّة بشهادة بكالوريوس في هندسة الكهرباء قبل أن تتوجّه إلى جامعة ليفربول في إنجلترا حيثُ حصلت على شهادة الماجستير في مجال الرياضيّات الحاسوبيّة.

ثمّ عادت إلى مصر حيثُ عملت مع الأكاديميّة العربيّة للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، والتي كانت قد حصلت لتوّها على جهاز محاكاة قديم من اليابان يدرّس القباطنة المستقبليّين كيفيّة إدارة دفّة سفن النقل.

لكنّ جهاز المحاكاة كان قديماً – حيث كان لا يزال نظام الحوسبة مصنوعاً وفق نظام قراءة البطاقات المثقّبة من سبعينيّات القرن الماضي. فشرعت الميقاتي وفريقها للعمل على تحديثه. وعملت على إعادة بناء نظام الحوسبة وأعادت جهاز المحاكاة لوضعٍ قابل للإستخدام. تقول الميقاتي “بعد ذلك النجاح، طلب منّا وزير الأكاديميّة بناء جهاز محاكاة للقطارات، فبدأنا في ذلك من الصفر.”

تضمّن ذلك تصوير مسارات القطارات بأكملها بكاميرا محمولة لضمان عدم وجود إهتزاز في اللقطات. وقد إستغرق المشروع بأكمله ما مجموعه ثلاث سنوات.

حتّى ذلك الوقت، لطالما رغبت الميقاتي في أن تركّز على حياتها المهنيّة بشكلٍ خالص. فتقول، “لا أعرف ما الذي حدث، لكنّني رغبت بالحصول على أطفال. عندما كنت حاملاً بطفلي الأوّل وشعرت بالغضب عندما سألني مدير عملي  إذ كان زوجي سيجبرني على ترك العمل.”

تبدو الميقاتي من نوع النساء اللاتي يفضّلن التركيز على شيءٍ واحد في وقتٍ واحد، قالت “لقد حصرت تركيزي على أطفالي في تلك المرحلة.”

إنّ قوّة الإرادة التي تتحلّى بها الميقاتي تثير إعجاب زميلتها عزّة الخولي، رئيس قطاع البحوث في المكتبة.

تقول الخولي “أجدها إمرأة رائعة، إنها تدهشني بشكلٍ دائم لكونها إمرأة ذات طموح، لطالما عرفت ما ترغب به وعملت على تحقيقه.”

بعد ثمان سنوات قضتها في المنزل مع الأطفال، أصبحت الميقاتي أكثر إضطراباً. تقول “لقد كنت على وشك دفع نفسي أو أطفالي نحو الجنون، لهذا بدأتُ في البحث عن وظيفة.” لم يكن من السهل تفسير الفجوة في سيرتها المهنيّة ولطالما تعرقلت بسبب ذلك.

لكنّ شيئاً ما في المكتبة أثار إهتمامها على الرغم من إصابتها بخيبة أمل بسبب عدم نجاحها عند التقديم للحصول على وظيفة في أماكن أخرى. “لقد أسرتني فكرة إعادة بناء مكتبة الإسكندريّة الجديدة – هنالك شيءٌ ما خاص في هذا السياق.”

في البدء وظّفتها المكتبة كمشرفة على الإنشاءات. تقول الميقاتي “على مدى الأسابيع القليلة الأولى، شعرت بأنّه لم يمكنني أن أنام، فقد كان عليّ الكثير لألحق به. لقد توجّب عليّ دراسة المخطّطات لفهم أنظمة الكابلات الكهربائيّة.”

أولت الميقاتي إهتماماً كبيراً في تركيب القبّة السماويّة في المكتبة. وقد ساعدها خبراء أميركيّين في نصب وإعداد نظم الإسقاط، والصوت، والإضاءة. تقول “عندما غادر الأميركيّون، أدركنا بأنّني كنت واحدة من الأشخاص القلائل الذين يعرفون كيف تعمل تلك الأنظمة.”

عندما بدأت القبّة السماويّة في العمل أخيراً، كانت جميع الأفلام التعليميّة مشتراة من الخارج. تقول الميقاتي “أخبرتهم بأنّ التكلفة تزداد غلاءاً.” وبهذا شرعت في إنتاج أفلام خاصّة بالمكتبة.

جعل البدء بمشاريع جديدة من الميقاتي شخصاً مشغولاً، ممّا قد يعني بأنّها لن تمتلك بشكلٍ دائم الوقت لأشياء أخرى خارج مجال إهتمامها. تقول الخولي “من الممكن أن تكون قلقة للغاية من أجل أن يتمّ إنجاز الأمور ممّا يجعلها في سباقٍ دائم. ربّما تستغرق وقتا طويلا لتهضم الأمور.”

في العام الماضي، كانت المرّة الأولى التي يتمّ فيها عرض فلم تمّ إنتاجه محليّاً بالكامل في المكتبة. تقول الميقاتي “نحن المنتج الوحيد لأفلام القبّة السماويّة في أفريقيا والشرق الأوسط.”

تقول الخولي إنّ قصة الميقاتي تظهر بأنّه ليس مضرّاً دائما بمهنة المرأة أن تقضي بضع سنين خارج الوظيفة من أجل الأطفال – لقد أثبتت بأنّه في الإمكان إستئناف الوظيفة. مضيفة “إنّه تحدٍ ومسألة تواجهها معظم النساء حول العالم. وقد فعلت الميقاتي الأمرين معاً.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى