أخبار وتقارير

باحثون عرب يعملون على حل مشاكل السكن العشوائي

القاهرة— إنّها أكبر مدن أفريقيا، ومع ذلك فإنّ أحداً لا يعرف على وجه الدقّة عدد السكّان القاطنين فيها. تختلف التقديرات، لكنّها تحوم في حدود 19 مليون نسمة.

من الصعب تتبّع مسار هذا العدد الكبير من الناس، وتزداد المهمّة تعقيداً لأنّ الكثير من سكّان القاهرة يعيشون بشكلٍ غير قانوني فيما يعرف بإسم السكن العشوائي – أو المباني التي تمّ إنشاءها من دون رخص حكوميّة.

يمكن لرحلة بالقطار عبر دلتا النيل إنطلاقاً من القاهرة بإتّجاه الإسكندريّة، ثاني أكبر مدن مصر، والتي تقع على بعد حوالي 130 ميلاً، أن تكشف عن حجم المشكلة. حيث يغلب على الرحلة مشهد مبانٍ موحّدة من الآجر الأحمر المحتواة ضمن هياكل من أعمدة من الخرسانة المسلّحة. تمتد هذه المباني بلا توقّف من السكّة الحديد وحتّى الأفق، لتشغل ما كان في يومٍ من الأيّام أراضٍ زراعيّة.

تمتلك هذه المنازل عدداً قليلاً من النوافذ، وأحياناً بضع فتحاتٍ للتهويّة فحسب. وغالباً ما تبرز قضبان من الحديد الصلب من سقوفها بشكلٍ يجعل من مهمّة إضافة طابق إضافي في وقتٍ لاحق أمراً يسيراً.

قالت منال الشحّات، الأستاذ المساعد في قسم التصميم والتخطيط العمراني في جامعة عين شمس، “إنّ الناس الذين يعيشون هناك ليسوا من الفقراء. إنّهم يمتلكون المال، ولكن ليس الكثير منه. إنّهم يقومون بتغيير رخصة استعمال الأرض لأنّ الظروف الإقتصاديّة آخذة في التغيّر. ويبدو أنّ البناء في هذه الأراضي أكثر منطقيّة من القيام بزراعتها.”

تمثّل الهجرة إلى المدن المكتظّة بالسكّان بطبيعة الحال الإتّجاه الشائع في عموم أرجاء المنطقة، ومن المرجّح أن تستمرّ هذه الظاهرة. قال دوفيد أوبري، المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتّحدة للمستوطنات البشريّة في الدول العربيّة، “التوسّع الحضري سريع في عموم أرجاء الدول العربيّة. ومن المرجّح أن يتضاعف عدد السكّان الحضر على مدى الأربعين سنة القادمة.”

وأضاف أوبري بأنّ الناس يغادرون المناطق الريفيّة في العالم العربي لثلاثة أسباب رئيسيّة هي: الاقتصاد، والصراعات، والتغيّر المناخي. يقوم سكّان الريف بترك منازلهم بحثاً عن دخل نقدي مباشر، أو لتجنّب الحرب، أو بسبب كون التغيّر المناخي قد جعل من الصعوبة بمكان الحصول على زراعة منتجة ومربحة.

يشكّل الإسكان العشوائي ما يقرب من ثلثي القاهرة، بحسب تقديرات عمر نجاتي، المؤسّس المشارك لمختبر عمران القاهرة للتصميم والدراسات (كلستر Cluster)، مؤسّسة غير ربحيّة لأبحاث الدراسات الحضريّة مقرّها وسط البلد في القاهرة وغالباً ما تتعاون مع الجامعات. قال “إنّهم لا يحتلون الأراضي، إنّهم يمتلكونها. كما أنّ الأمر ليس ظاهرة هامشيّة، بقدر كونها تعبيراً عن التيّار العام.”

يتضمّن الحصول على رخصة حكوميّة التعامل مع دوائر حكوميّة عديدة، بما في ذلك المجلس البلدي المحلّي، وهيئة الكهرباء، ودائرة المياه. قد لا تبدو المباني سارّة للناظرين، لكنّها في الغالب سليمة من الناحية الإنشائيّة، بحسب نجاتي وخبراء آخرين. وقد لا تكون جميعها مريحة – إذ تفتقر الكثير منها لخدمات المياه والكهرباء – لكنّها ليست عرضة لخطر السقوط.

عندما قامت الحكومة بشقّ الطريق الدائري السريع في القاهرة في تسعينات القرن الماضي، فإنّ أحد الأهداف من وراء ذلك هو إقامة سياج لتحديد الإمتداد. قال نجاتي “لم تكن هناك محاولة لربط المستوطنات العشوائيّة بالمدينة. قد يتمكّن السكّان هناك من رؤية الطريق الدائري من خلال نوافذهم بالمعنى الحرفي للكلمة لكنّهم لا يتمكّنون من الوصول إليه.”

يجتاز الطريق الدائري المناطق العشوائيّة وبدلاً عن ذلك يقوم بربط مركز المدينة بالضواحي الأكثر ثراء. لذا فقد قام سكّان المناطق العشوائيّة بالتصرّف بأنفسهم. فقاموا ببناء سلالم من مستوى الشارع صعوداً إلى الخطّ السريع، ومن ثمّ انتقلوا لبناء طرق منحدرة كاملة للسيّارات. يقول نجاتي إنّه على دراية بأربع من هذه المنحدرات على الأقل.

الحكومة على دراية بمثل هذه المنشآت، لكنّها فضّلت عدم هدمها. إنّ حجم التمدّد صعب للغاية ، كما إنّ جهود هدم هذه المباني لا تعدو كونها لفتة رمزيّة فحسب. ولا توجد أيّة رغبة سياسيّة لتنفيذ هذه السياسة التي لا تحظى بالقبول الشعبي.

(نموذج لمخرج منحدر غير رسمي، تصوير: كلستر)

ففي الوقت الذي يتمكّن فيه السكّان من أخذ زمام المبادرة بأنفسهم وبناء طرق منحدرة للوصول للطرق السريعة، فإنّ هنالك العديد من الخدمات العامّة التي لا يمكنهم توفيرها. قال نجاتي “كل شخص يبني منزله الخاص به، ولكنّ أحداً لا يبني مستشفيات، أو مدارس، أو أماكن عامّة.”

تطوّر السكن العشوائي في القاهرة إلى بنى تحتيّة غير رسميّة.

لايعتبر السكن العشوائي ظاهرة مصريّة متفرّدة. فبغداد تشهد وصول العديد من النازحين من مناطق الحروب، لاجئين بحوزتهم القليل من المال اللازم للإيجار أو الرهن العقاري. وعليه، إستحوذ الناس على أراضٍ حكوميّة بشكلٍ مباشر وباشروا البناء مستخدمين كل موادّ الخردة المتوفرّة لديهم. قال أوبري”هنالك إسكان في بغداد يضمّ خليطاً من بيوت من الآجر، وعلب الصفيح، والقش.”

تشبه بعض مناطق السكن العشوائي في القاهرة المناطق العراقيّة الفقيرة. تعمل الشحّات، الأستاذة من جامعة عين شمس، في بعضٍ من هذه الأحياء. إذ تعمل كمنسّق لمشروع العزبة، الذي تدعمه هيئة التبادل الأكاديمي الألمانيّة DAAD، والذي يسعى لبناء نموذج لمنشأة مستدامة في منطقة عزبة أبو قرن في القاهرة.

يتألّف فريق الشحّات من باحثين ذوي أفكار متشابهة وطلاب من جامعة عين شمس. ويأملون في أن يتّبع مجتمع العزبة، والمؤلّف من مهاجرين فقراء من صعيد مصر بشكلٍ أساسي، حذو النموذج وبناء منازل أكثر إستدامة. قالت الشحات “نحن نحاول تعليم المجتمع كيفيّة البناء بطريقة آمنة.”

يعمل المشروع حالياً على بناء مركز اجتماعي على أرض تبرّعت بها منظّمات غير حكوميّة أخرى. سيوفّر المركز مساحة للخدمات الصحيّة والتعليم وسيتمّ بناءه بمواد منخفضة التكلفة ووسائل فعّالة. على سبيل المثال، يستعمل البناؤون الطوب الطيني ممزوجاً بقناني بلاستيكيّة، وكلاهما من المواد المتاحة بشكلٍ يسير، في بناء الجدران.

(جدران المساكن المستدامة تجمع بين الآجر الطيني والقناني البلاستيكيّة، تصوير: عبدالرحمن جيمل)

تعمل جامعات أخرى في المنطقة على تتبّع القضيّة من منظور بحثي. في العام الماضي نشرت ورقة بحثيّة في مجلة لانسيت The Lancet، من قبل باحثين في الجامعة الأميركيّة في بيروت وزملائهم في أماكن أخرى، ركّزت على الإستدامة – أو إنعدامها – في السكن العشوائي. وقد حذّر الباحثون من قلّة الموارد والتدهور البيئي الناجم عن الإستيطان غير المنتظم والمتّسع بشكلٍ مستمر.

لطالما عانت المدن المغربيّة من مشكلة مشابهة لتلك الموجودة في المدن المصريّة. لكن في عام 2004، أعلنت الحكومة عن برنامج “مدن بلا عشوائيّات”. تضمّن ذلك بشكلٍ رئيسي إعادة إسكان السكّان في منازل أكثر أماناً وصحّة. وقد كان لكل مدينة هدفها الخاص بها لنقل الأحياء العشوائيّة. قال أوبري “أعطت الحكومة رؤساء البلديّات الصلاحيّات لتحقيق تلك الأهداف مع الحوافز لقاء التعهّد بتنفيذها. وقد كان ذلك يعني أنّ للأحياء العشوائيّة الأولويّة فيما يخصّ الموارد.”

في غضون سبع سنوات من بدء المشروع، تمّ بناء ما يقرب من 100.000 وحدة سكنيّة جديدة، بحسب الأمم المتّحدة. وبسبب ذلك، يشير البنك الدولي للجهد المغربي على كونه من البرامج الناجحة.

قال أوبري “مع نجاح المغرب، نسعى لإدخال التعليم لدول عربيّة أخرى، مثل مصر والعراق.”

ويسعى باحثون جامعيّون لتقديم حلول ممكنة أخرى. ويأملون أن تسهم جهودهم في تقدير حجم المشكلة ورسم خريطة لها في مساعدة الحكومات على فهم أبعاد هذه المسألة، والتي تشكّل الخطوة الأولى في سبيل حلّها.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى