مقالات رأي

أزمة حوار وتعليم يئن!

أعلنت الجامعة الأميركية منذ أيام عن حلقة نقاش بعنوان “ثلاثة حلول عاجلة لأزمة التعليم المصري”، يتحدث خلالها أعضاء أول مجلس تخصصي للتعليم والبحث العلمي والذي تم تأسيسه مؤخرا في مصر ويتبع لرئاسة الجمهورية.

جذبني العنوان بشدة كباحثة في مجال التعليم وواحدة من المهتمين بالشأن العام المصري. استبشرت خيراً وحرصت ككثيرين غيري على الحضور للوقوف على الحلول المقدمة من أول مجلس تخصصي للتعليم في مصر كنقطة إنطلاق لإصلاح الوضع المزري الذي وصل إليه حال التعليم في بلدي. وصلت لقاعة إيوارت في الجامعة الأميركية في الموعد المحدد لحلقة النقاش لأجد كاميرات كثيرة تقوم بعمل مقابلات مع شخصيات عديدة استعداداً للحدث.

بدأ اللقاء بكلمة لليزا أندرسون رئيسة الجامعة الأميركية، تلاها كلمة للدكتور عمرو عزت سلامة، مستشار الجامعة الأميركية والوزير الأسبق للتعليم والبحث العلمي في حكومة عصام شرف. ثم بدأ المتحدثون في إلقاء كلمات متتابعة في حوار مغلق يديره الإعلامي حافظ الميرازي. كان على طاولة الحوار خمسة متحدثين هم: د. طارق شوقي، رئيس المجلس وعميد كلية الهندسة بالجامعة الأميركية، ود. ملك زعلوق، مديرة معهد الشرق الأوسط للتعليم بكلية التربية بالجامعة الأميركية، ود. آمال عيسوي، أستاذة الهندسة الميكانيكية بالجامعة الأميركية، وأستاذة جويس رافله، مسؤولة التعليم والتدريس بمركز التعليم والتعلم بالجامعة الأميركية، ود. أشرف شعلان، رئيس المركز القومي للبحوث، وهو الوحيد اللذي لا ينتمي للمركز التخصصي للتعليم والبحث العلمي وإنما حل ضيفاً على الحوار.

أوضح المتحدثون أن المجلس يتكون من أحد عشر عضواً تم تعيينهم جميعا من قبل الرئاسة وأن الغرض منه هو فصل التخطيط عن التنفيذ والمتابعة.

تتابع المتحدثون في الإجابة على الأسئلة المعدة سلفاً والتي قام بإلقائها عليهم مدير اللقاء فجاءت إجاباتهم جميعها تعكس إلماما بمشاكل التعليم في مصر وبالاتجاهات الحديثة في التعليم. لكنها لم تعدُ كونها إجابات عامة وآراء وآمال وعناوين براقة تم استهلاكها مراراً وتكراراً. تحدث المشاركون عن أهمية الاهتمام بتطوير المعلم وتبني الطرق الفعالة للتنمية المهنية للمعلمين واختيار طرق مختلفة لتقييمه، وتحدثوا عن أهمية ربط البحث العلمي بالصناعة وبأولويات التنمية وعن المعوقات الإدارية للبحث العلمي. كما تحدثوا عن مأساة التعليم الفني والنظرة المجتمعية السلبية لطالب التعليم الفني وعن عجز هذا التعليم عن إتاحة فرص جيدة لدارسيه، إضافة إلى أهمية إدراج اختيارات أوسع للطالب وتوفير الفرص للطالب لاكتشاف قدراته ومهاراته، وأهمية اللامركزية في التعليم لإتاحة الفرصة للمعلم للإبداع. كما أشاروا إلى الميزانية المحدودة للتعليم وإلى تسابقنا على المراكز الأخيرة في التعليم والبحث العلمي عالميا.

وحينما تطرق الحديث إلى مجانية التعليم، تحدث د طارق شوقي رئيس المجلس عن الرغبة في عدم إتاحة المجانية للطلاب الراسبين في التعليم العالي. لكنه لم يناقش ذلك في إطار إشكالية الاتجاه المتزايد لخصخصة التعليم وانعدام تكافؤ الفرص بين الطلاب لظروف اقتصادية بحتة.

انتهى حوار المتحدثين وتم فتح الباب لتلقي بعض الأسئلة في نهاية اللقاء، الأمر الذي أثار استياء عدد من الحضور الذين قالوا بأنه قد تم خداعهم وإهدار وقتهم. فلا هي “حلقة نقاش” مفتوحة تتيح التفاعل مع المجتمع المعني بالمشكلة كما تم الإعلان عنه، ولا تم تقديم الحلول الثلاث المزعومة لإنقاذ التعليم في مصر. وقال البعض إن اللقاء لا يختلف كثيراً عما سبقه من لقاءات وكلمات قالها مسئولون سابقون وكان معظمها أحادي الطرح لا يُشرك المجتمع في حوار موسع.

https://www.bue.edu.eg/

وتجدر الإشارة إلى أنه حينما أتيحت الفرصة لعدد محدود من الحضور لطرح أسئلة أو إضافة تعقيبات، طرح أحد الحضور مجموعة حلول بسيطة لتوفير التمويل اللامركزي للتعليم مثل إنشاء مصانع صغيرة بمدارس التعليم الفني واستغلال أسوار المدارس وقمصان الطلاب كمساحات للإعلان. إن دراسة بعض هذه الأفكار بعناية وتعميمها من الممكن أن يحل جانباً كبيراً من مشكلة الميزانية المحدودة للتعليم. وربما لو تمت إتاحة مساحة زمنية أكبر للحضور لعرض آراءهم لكان اللقاء مثمراً وأكثر فائدة.

إن مشكلتي ومشكلة جانب كبير من الحضور كانت مع غياب الخطة. متى يفهم المسؤولون في مصر في كل القطاعات أن هذا الشعب قد شبع من الكلام الإنشائي والعبارات البراقة؟ ما يتوق إليه الجميع هو خطة واضحة المعالم أو حتى دعوة لإشراك الناس في وضع خطة. كنت سأخرج من هذه “المحاضرة” أكثر تفاؤلاً لو كان المتحدثون قد حددوا محوراً أو اثنين أو ثلاثة من محاور التعليم وأوضحوا سبب إعطاء تلك المحاور الأولوية للبدء في الإصلاح، ثم أعلنوا رؤيتهم لإصلاح تلك المحاور ودعوا الحضور لطرح رؤاهم لذلك.

حاول المتحدثون الدفاع عن أنفسهم ضد من انتقدوهم بحجة أن المجلس تم إنشاءه من شهر واحد فقط، مما يدفعني للتساؤل عن هدف اللقاء. هل كان الهدف هو تسليط الضوء على المجلس والاكتفاء بإعطاء الانطباع بأن هناك محاولات للإصلاح؟ لماذا العنوان إذا؟ أم أنهم قد نسوا حقا إضافة علامة الاستفهام في آخر العنوان كما زعم الأستاذ حافظ الميرازي في محاولة باءت بالفشل لحفظ ماء الوجه؟

أتمنى مخلصة أن يستطيع هذا المجلس إدخال التطوير الفعلي والبناء على التعليم في مصر ولكني أنبهه مخلصة أيضا إلى أن هذا الشعب لم يعد يشترى “الهوا في أزايز”.

* أمل أبو ستة: طالبة دكتوراه فى أبحاث التعليم بجامعة لانكستر بانجلترا. بإمكانكم متابعتها على تويترClever_Flower@

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى