أخبار وتقارير

سياسة “الباب الدوار” تؤثر سلباً على قطاع التعليم في الإمارات

تقدم الإمارات العربية المتحدة نفسها كمركز رائد للتعليم العالي في العالم العربي، خاصة مع اجتذابها لأسماء أكبر الجامعات مثل جامعة نيويورك واستضافتها لأكبر مجموعة من فروع الجامعات العالمية على أراضيها. لكن المؤسسات الحكومية والاتحادية في البلاد تجتذب إلى حد كبير موظفين أجانب وفق عقود قصيرة الأجل، يعملون في مؤسسات تتسم بقرارات تصدر من الأعلى إلى الأسفل مع فرص محدودة للتطوير المهني. بحيث تؤثر هذه العوامل سلباً على جودة التعليم في البلاد، بحسب ما يقول الباحثون.

قال ديفيد تشابمان، أستاذ القيادة التربوية في جامعة مينيسوتا والذي أجرى دراسة حول كادر جامعة الإمارات العربية والجامعات الاتحادية مع فريق من الباحثين، “هناك الكثير من الأبحاث التي تقول إن بناء جامعة متماسكة وقوية وموحدة يتطلب التزام ومشاركة من أعضاء هيئة التدريس. لكن عندما يوجد تنقل كبير لأعضاء هيئة التدريس، يصبح السؤال : كيف يمكنك بناء نظام جامعي قوي مع قوى عاملة متنقلة ومتغيرة.”

واعتبر تشابمان أن سياسة “الباب الدوار” المتبعة مع أعضاء هيئة التدريس هي التحدي الرئيسي الذي يواجه نوعية التعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة. مضيفاً أن سياسة تجديد العقود تحافظ على بعض أعضاء هيئة التدريس في البلاد، إلا أن هذه الإجراءات قد لا تشجع الباحثين الجادين الذين يرغبون في تطوير عملهم ووضع برامج. “لا يوجد ضمانة لاستمرار مايخلقونه.”

علاوة على ذلك، فإن طبيعة العقود قصيرة الأجل تضر بآفاق بناء تقاليد الأبحاث. فبحسب تشابمان، تتطلب البحوث الجادة عادة استقرار أعضاء هيئة التدريس ليتمكنوا من بناء مختبر، وجمع الزملاء ذوي الاهتمامات المماثلة، أو بدء برنامج البحوث. قال “هذا بدوره عامل خطير يعيق تطوير التعليم العالي. إن السياسات الحالية تجعل من الصعب جداً وضع جدول أعمال جدي للبحوث.” كما يميل طلاب الدراسات العليا إلى العمل في المؤسسات البحثية للحصول على الخبرة البحثية وإنجاز أطروحة بإشراف باحث نشيط.

وأظهر البحث أن طبيعة العقود قصيرة الأجل لأعضاء هيئة التدريس المغتربين والذين يعملون في مؤسسات الدولة تبدو في مجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك دوافع انتقالهم إلى البلادوالتي لا تعكس دائماً الالتزام بمصالح جامعاتهم.

في عام 2011، أجرى الباحثون مقابلات مع 38 عضو هيئة التدريس 3 منهم فقط من الإمارات العربية المتحدة و35 من 19 بلداً مختلفة. ووجد الباحثون أن 38 في المئة من العمالة الوافدة جاءت كمغامرة الإمارات العربية المتحدة. 

إذ ذكرت مقالة نشرت عن الدراسة التي أجراها تشابمان ونشرت في سياسة التعليم العالي العام الماضي”بالنسبة لهذه المجموعة، فالتدريس في دولة الإمارات يعني رواتب جيدة ومجموعة من المزايا، وثقافة مختلفة، كما أنه يقدم بيئة آمنة لتربية الاطفال الصغار في حال كان الأستاذ متزوجاً.”

وقال المقال إن أعضاء هيئة التدريس سواء كانو أكاديميين أو متقاعدين يواصلون العمل، فإنهم يتوقعون الانتقال إلى بلد آخر، بحيث تبدو دولة الإمارات العربية المتحدة كمحطة حالية. وتابع المقال أنهم يبلون بلاء حسناً في عملهم ويلتزمون بطلابهم لكن التزامهم بمؤسساتهم التي يعملون بها قليل.

وبحسب الدراسةـ، أشار “الباحثون عن الجذور” – ثاني أكبر مجموعة تم إجراء لقاءات معها- إلى ميزة العمل في دولة الإمارات العربية المتحدة لكونها قريبة من عائلاتهم التي تعيش في دول الجوار. بينما قال “طالبي الراحة” –يشكلون 16 في المئة من الذين تمت مقابلتهم- إن الحياة في الإمارات العربية المتحدة أسهل للعيش من بلدانهم الأصلية. أما “طالبي الخلاص” فقد جاؤوا إلى الإمارات العربية المتحدة بعد أن واجهتهم صعوبات في وظائف سابقة أو صعوبات في حياتهم الشخصية، مثل الطلاق. 

أما فئة “بناة الأمة”- المجموعة الأصغر في الاستطلاع- فتضم الإماراتيين الذين سعوا لبناء التعليم العالي في بلدهم، بحسب ما أظهرت الدراسة.

قالت ناتاشا ريدج، المدير التنفيذي لمؤسسة الشيخ سعود بن صقر القاسمي لبحوث السياسة والتي شاركت في إجراء الدراسة، أن الهياكل المؤسسية في الإمارات تؤثر على التزام أعضاء الهيئة التدريسة الوافدين وتفانيهم لمؤسستهم .

وبينما يمكن تجديد عقود العمل في دولة الإمارات العربية المتحدة، إلا أنها تبقى قصيرة بحد أقصى ثلاث سنوات، وفقا للمقال المنشور. ولا يملك العاملون أي ضمانات لحماية العمل أو استئنافه في حال إنتهاء العقود، مما يخلق قلقاً واسع النطاق حول الأمن الوظيفي. يعرف العديد من الأساتذة المغتربين زملاء سابقين اُنهيت عقود عملهم فجأة وطُلب منهم مغادرة البلاد في غضون أيام قليلة.

قالت ريدج “إن جذب واستبقاء المواهب بحاجة حقاً إلى توفير هيكل إداري مستقر. إن أفضل الأساتذة لن يأتوا للعمل في مكان بشعرون أنهم قد يفقدونه في اليوم التالي أو مع مؤسسة لا تظهراً التزاماُ معهم.”

وأشار كثيرون أنهم يتجنبون الخوض في مجموعة مواضيع في عملهم قد تفسر بأنها انتاقد لسياسات وطنية أو مؤسسية، وذلك خوفاً من فقدان وظائفهم. قال محاضر مغترب يعمل في جامعة تديرها الحكومة “هناك بعض الموضوعات التي لا يمكنك مناقشتها،” مشيراً الى أن هذا هو العيب الرئيسي.

وقالت ريدج إن الهياكل القائمة لا تلبي حاجة الكلية من الطلاب. ” لا نرى طلاب يتم تشجيعهم كما يجب، أو ربما لا يتم إيصالهم للمستوى الذي نرغب فعلياً أن يصلوا إليه.” مضيفة أن هنالك ضغوط كثيرة لإبقاء الطلاب سعداء.

كما قالت ريدج إن هناك أيضا نقص في أبحاث الجامعات عالية الجودة.

قال المحاضر، الذي يعمل مع مؤسسة حكومية، إن أعضاء الهيئة التدريسية يحصلون فقط على تطور مهني شكلي. “من الواضح أن هناك مجالات يتم العمل عليها بشكل جيد، لكن بشكل عام فإن انعدام التنمية المهنية له تأثير على نوعية الأبحاث.” وأضاف ” لا أعرف أي شخص يأتي إلى هذا الجزء من العالم يتطور مهنياً، سواء في البحث أو في مجالات أخرى.” مشيراً إلى المسؤوليات الكبيرة الملقاة على الأساتذة وأعباء التدريس التي تحد من وقت البحث.

مع ذلك، قالت محاضرة أخرى إن لديها تجربة مرضية حتى الآن. مشيرة إلى وجود كثيرين يتفانون في التدريس بغض النظر عن خططهم لمغادرة الإمارات العربية المتحدة. 

“بالنسبة لجزء كبير من الناس فهم ملتزمون حقاً بالتدريس، حتى لو لم يعتزموا البقاء، فهم ملتزمون بالطلاب والعملية التدريسية.” وأضافت المحاضرة التي عمل في الجامعة الأمريكية في الشارقة لمدة 14 عاما. “سواء كان ذلك لمدة سنتين أو 20 عاماً، فإنني أرى أشياء جيدة تحدث في الفصول الدراسية.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى