مقالات رأي

حوار مع مديرة المعهد العالي العربي للترجمة

لندن- على مدى عقود، اعتبرت اللغة العربية لغة مقدسة لكونها لغة القرآن الكريم. إذ اعتبرها كثيرون لغة الكمال التي يجب أن لاتمس. كما ارتبطت اللغة العربية بفكرة العروبة والهوية العربية ارتباطاً وثيقاً بات فيه الحديث عن ضرورة تحديثها أمراً يشعل جدالاً لاينتهي. في المقابل، تتجه العديد من الجامعات في المنطقة العربية اليوم لاعتماد اللغات الأجنبية، كالانكليزية أو الفرنسية، كلغة أساسية للتدريس بينما يتراجع حضور اللغة العربية في التعليم.

أثارت هذه القضية جدالاً واسعاً في لندن مؤخراً خلال إحدى جلسات مؤتمر “التعليم في الخليج والشرق الأوسط”. إذ دعت إنعام بيوض، مديرة المعهد العالي العربي للترجمة التابع لجامعة الدول العربية ومقره الجزائر، إلى تحديث اللغة العربية من خلال تبسيط قواعدها اللغوية، وإستعادة قدراتها على التعبير عن المفاهيم العلمية عبر التخلي عن الاهتمام المفرط بالبلاغة اللغوية وإسقاط “الهالة القدسية” عنها.

قبل عملها كرئيسة للمعهد العالي العربي للترجمة، عٌرفت بيوض بكونها كاتبة وشاعرة وفنانة تشكيلية. كما عملت كأستاذة ترجمة في جامعات الجزائر ووهران. أنجزت العديد من الترجمات في الشعر والرواية والفن . وصدر لها ديوان: “رسائل لم ترسل”، كما حازت روايتها “السمك لا يبالي” على جائزة مالك حدّاد للرواية. اعتبرتها صحيفة “الاكسبريس” الجزائرية واحدة من ضمن 100 شخصية جزائرية الأكثر ديناميكية في عام 2002. وعلى الرغم من شغفها باللغة العربية، إلا أنها تتقن عدة لغات أخرى من بينها الفرنسية والإنجليزية. أجريت هذه المقابلة باللغة العربية.

– تثير دعوتك لتحديث اللغة العربية الكثير من الجدل، لماذا تعتقدين أنه من المهم القيام بذلك؟ 

يدرس طلابنا في المرحلة الابتدائية والثانوية باللغة العربية إلا أنهم ومع انتقالهم للجامعات يصابون “بصدمة لغوية”، فهم مضطرون إلى متابعة دراستهم بلغة أجنبية لايتقنونها تماماً. إن الاستخدام الواسع للغة الإنجليزية والفرنسية في الجامعات العربية هو “آفة خطيرة”، فوجود نخب جامعية تتواصل بلغة أجنبية مع بعضها البعض يخلق فجوة بين هذه النخب والمجتمعات التي يعيشون فيها. يتججون بأن مفردات اللغة العربية لا تواكب التطورات التقنية التي نشهدها اليوم. لكن اللغة ليست قالباً جامداً، اللغة أداة يجب تطويرها على نحو مستمر. لذلك، أدعو إلى تبني اللغة العربية باعتبارها الحل لمشكلتنا بدلا من مواصلة اعتبارها أصل المشكلة والعمل على تحديثها وتبسيط قواعدها لتسهيل استخدامها.

– ولكن آلا تعتقدي بأن التدريس باللغة العربية من شأنه التقليل من فرص التعرف على العلوم والثقافة الغربية وخلق قنوات للتواصل؟

أنا لا أدعو لوقف تدريس اللغات الأخرى. إنني أدعو فقط لتوحيد لغة التدريس من خلال اعتماد اللغة العربية التي هي لغة الناس في الشارع لتجنب خلق فجوات في المجتمع. لا يجب أن ننسى أن نحو 300 مليون شخص يتحدثون اللغة العربية وأنها اللغة الرسمية الثالثة الأكثر شيوعاً في العالم، بعد اللغة الإنجليزية والفرنسية. بالطبع ثنائية اللغة أمر مفيد للمجتمع، ولكن ليس على حساب تجاهل اللغة الأم. من ناحية أخرى، علينا الاهتمام بالترجمة على نحو أكبر. فالترجمة لا تساعدنا على فهم الآخرين والتواصل معهم فقط، لكنها تساعدنا أيضاً في فهم أنفسنا من خلال رؤية أنفسنا في ثقافة الآخر.

– كيف تصفين واقع الترجمة في المنطقة العربية اليوم، خاصة وانك تشغلين منصب رئيس المعهد العالي العربي للترجمة؟

مع الأسف، حركة الترجمة ضعيفة جداً في المنطقة. فالترجمة لايمكن أن تكون مجرد ظاهرة عرضية وإنما يجب أن تكون عملية مؤسساتية مستمرة. ما نشهده اليوم هو مجرد ترجمات متفرقة لأعمال أدبية أو علمية ذات شهرة تجارية واسعة. نحن نفتقد للجهود المتواصلة الجادة لترجمة النصوص العلمية والفلسفية والأدبية.

– ضمن هذا السياق، ماهو دور المعهد العالي العربي للترجمة؟

أسس المعهد العالي العربي للترجمة رسمياً في نيسان/ أبريل 2004، بدعم ورعاية جامعة الدول العربية. تم تأسيس المعهد بهدف إعداد الكوادر المؤهلة والمزودة بالمهارات الحرفية اللازمة، فهو معهد تعليمي في المقام الاول. كما أن المعهد مؤسسة بحثية إنتاجية تقوم بالبحوث في مجال اللسانيات والأدب المقارن وعلوم اللغة.

– أسس المعهد منذ عشر أعوام، لكننا لم نسمع الكثير عن دوره وإنجازاته. لماذا برأيك؟

على الرغم من كون المعهد أسس برغبة كل الدول العربية، إلا أننا نعاني من ضعف الدعم المالي. فميزانية المعهد بالكاد تكفي لسداد نفقاته التشغيلية. مع الأسف العديد من الدول العربية الغنية تدعم فرق رياضية أجنبية بملايين الدولارات ولكنها لا تفكر بتقديم الدعم للمعهد أو لأي مشروع ثقافي عربي آخر في المنطقة بسبب الحسابات والحساسيات السياسية. حتى عندما نخاطب مؤسسات أكاديمية وثقافية عربية بهدف التعاون المشترك لا نجد أذاناً صاغية.

– كيف يمكننا دعم حركة الترجمة في المنطقة اليوم؟ 

نحتاج فقط إلى توحيد جهودنا. هناك أكثر من 300 جامعة في المنطقة، كل جامعة لديها على الأقل 10 أساتذة يتقنون لغتين ويمكنهم المشاركة في حركة الترجمة من خلال ترجمة كتاب واحد فقط في العام في مجال تخصصهم العلمي. بهذه الطريقة البسيطة يمكن أن نترجم 3000 كتاب علمي في العام. كل ما نحتاج إليه هو رغبة جادة ودعم مالي بسيط لتشجيع الأساتذة. بالطبع يمكن للمعهد القيام بدور تنسيقي في هذه المبادرة.

– ماهو الهدف الأساسي للمعهد اليوم؟

شاغلنا الرئيسي هو الحفاظ على تطوير مهارات موظفينا وطلابنا. نحن مهتمون جداً باعتماد تطبيقات التكنولوجيا الحديثة في الترجمة. اليوم، نقوم بتدريب الطلاب والمترجمين على استخدام القواميس الإلكترونية والتطبيقات الجديدة، لا المعاجم الورقية التقليدية، بحيث ييتحولون إلى لعب دور المحررين أكثر من كونهم مترجمين فقط.

– بحسب خبرتك، ماهي المصادر التي نحتاج إلى ترجمتها اليوم إلى اللغة العربية؟ وماهي المصادر العربية التي يتوجب علينا ترجمتها إلى لغات العالم الأخرى؟

نحتاج لترجمة الكثير من المراجع والكتب العلمية والفلسفية. بالطبع، ترجمة الأدب أمر هام ولكن الأولوية يجب أن تكون اليوم للعلوم والفلسفة. أما ماذا نترجم من العربية، فأعتقد أننا بحاجة أولا إلى إعادة النظر بكل تراثنا الديني المدون. لا أقصد الكتب السماوية وإنما التفاسير والشروحات التي كتبت لاحقاً. عندما نتمكن من القيام بذلك سنكتشف تراثنا وثقافتنا بشكل جديد ونتمكن عندها من تقديمه للعالم بأسره كما هو في حقيقته وليس كما يفسره الآخرون.

تم تحرير الحوار للمزيد من التوضيح والإيجاز.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى