أخبار وتقارير

في تونس: الطلاب والأساتذة يحمون المباني الجامعية

تونس- بعد مرور أشهر من الصراعات السياسية والدينية في جامعة منوبة في ضواحي تونس، حاول أحد المتظاهرين إنزال العلم التونسي من الساري أعلى أبواب الحرم الجامعي واستبداله بعلم أسود يرمز للأصولية الإسلامية. ولكن تم إيقافه.

في ذلك اليوم أوائل أذار/مارس قبل عامين، تحدى طالب جامعي واحد الإسلاميين المتعصبين لحماية العلم التونسي.

يقول حبيب ملاخ، أستاذ لغة فرنسية متقاعد وأمين عام الجمعية التونسية للدفاع عن القيم الجامعية، “يتولى طلاب الجامعة حماية جامعتهم.”

أنهت الثورة التونسية، التي اندلعت منذ ثلاثة أعوام وأطاحت بالدكتاتور زين العابدين بن علي، أعوامًا من تواجد الشرطة في المباني الجامعية والذي شكل عائقًا أمام ممارسة الحرية السياسية. ومنذ ذلك الحين، يواجه المسئولون الإداريون بالجامعة التحديات التي يفرضها الفراغ الأمني الذي سببه غياب الشرطة عن الحرم الجامعي.

وعلى الرغم من أن الخطر الذي تشكله الحوادث الأمنية أحيانًا يتسبب في إرباك الجامعات، إلا أن أعضاء مؤسسات التعليم العالي في العاصمة أجمعوا على أنهم اعتمدوا بشكل كبير على شبكات من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس لرصد المشكلات الأمنية والتعامل معها، مما دفع خولا الرشيدي للدفاع عن العلم التونسي.

يقول الحبيب الكزدغلي، عميد كلية الآداب والفنون والإنسانيات بالجامعة “نعمل كأسرة واحدة متجانسة لحماية الحرم الجامعي.”

في ظل حكم بن علي والذي حكم تونس لمدة تزيد عن عقدين، واجه الطلاب من أمثال شكري كساوي الاستجواب والاعتقال. فقبل خمسة أعوام لاحقته الشرطة في مدينة بير إلبي الساحلية بعد حضوره لاجتماع اتحاد الطلاب وكان لا يزال طالبًا جامعيًا.

حول هذه الواقعة، يقول كساوي، الذي يدرس الآن للحصول على درجة الماجستير من جامعة منوبة “كنت أستقل القطار عندما لاحقتني الشرطة. وفي إحدى المحطات، أمسكوا بذراعي وأجبروني على ترك القطار وفتشوا حقيبتي وأخذوني إلى قسم الشرطة”

مكث شكري هناك لأكثر من ثلاث ساعات، حيث تم استجوابه.

وأضاف شكري “خفت في بداية الأمر، ولكن بعد ذلك وعندما سمعت قصصًا مشابهة لأناس تم اعتقالهم وتفتيش منازلهم، اعتدت على ذلك وأدركت أنه أمر طبيعي وروتيني.”

جامعة منوبة

ولكن هذا الأمر تغير بعد الإطاحة ببن علي في 2011، إذ أخرجت الحكومة الجديدة الشرطة من الجامعات ومنعتهم من دخول الحرم الجامعي بدون حكم قضائي.

بدوره، قال سليم تشورا، مدير عام التعاون الدولي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي “لقد أصبح كل فرد داخل الحرم الجامعي مسئولاً عن حماية نفسه وممتلكات الدولة، وذلك بالإضافة إلى الطلاب وأعضاء هيئة التدريس. ولقد حققنا هذا المستوى من النضج بعد ثلاثة أعوام من اندلاع الثورة.”

إلا أن موجة من الاضطرابات الاجتماعية التي أعقبت الثورة هددت الحياة الأكاديمية متسببة في اندلاع أعمال عنف يصعب السيطرة عليها داخل الحرم الجامعي.

فقد شهدت كلية الآداب والفنون والإنسانيات بجامعة منوبة أعتى هذه الاضطرابات وأشهرها على الإطلاق والتي بدأت في أواخر عام 2011. إلا أن الجامعات الأخرى لم تستخلص أي دروس مستفادة من هذه الوقائع.

حيث بدأ الصراع في أعقاب منع مجلس الجامعة الطالبات من ارتداء النقاب. وفقًا لما قاله الطلاب وما جاء في التقارير، بدأ الطلاب مظاهرة جذبت – كما قال الإداريون – أبو إياد زعيم جماعة أنصار الشريعة والتي تدرجها الحكومة التونسية والولايات المتحدة الأمريكية ضمن الجماعات الإرهابية. وقد تظاهر الإسلاميون ضد منع النقاب أمام أحد المباني الإدارية. واندلعت بعدها صدامات بين الطلاب الإسلاميين والعلمانيين، وهو ما تكرر عدة مرات منذ عام 2011.

يقول الملاخ من الجمعية التونسية للحفاظ على القيم الجامعية “في حال حدوث أي صراع، نشكل سلسلة بشرية لمنع المجموعات من التصادم والتشابك بالأيدي.”

ولكن أثناء الخلاف حول سياسة النقاب، لم نتمكن من وقف المشاحنات بين المتظاهرين والطلاب والإداريين. وقال شاهد عيان إن المتظاهرين من الإسلاميين سدوا باب المبنى الإداري.

وأضاف الملاخ الذي تم إطلاق سراحه وأخذه إلى المستشفى “حاولت أن أجري بين صفوفهم وأفتح الباب، ولكنهم دفعوني بين البابين وأغلقوهما حتى شعرت بالاختناق.”

لاحقاً أوقف العميد الكزدغلي الدراسة بدعم من المعلمين والطلاب حتى انتهاء المظاهرات. ولم يكن وقف الدراسة لدواعي أمنية فحسب، ولكن أيضًا للضغط على الحكومة لإصدار سياسة محلية بشأن النقاب، وذلك حسب تصريح أمل جايدي، رئيس قسم اللغة الإنجليزية وعضو المجلس العلمي بالجامعة.

تقول جايدي “لقد انقسمنا حول ضرورة دعوة الشرطة إلى الحرم الجامعي لأن لدينا تاريخ طويل من انتهاكات الشرطة.”

وأدعى الطلاب العلمانيون وأعضاء هيئة التدريس أن الشرطة تفتقر الإرادة السياسية للتدخل، حيث تدعم الشرطة الإسلاميين في معركتهم الأيديولوجية. يعكس هذا الاتهام، مثله مثل الخلاف الأكبر حول منع النقاب، الصراع السياسي بين المتحررين والإسلاميين والذي اشتعل في تونس منذ الإطاحة ببن علي. في الواقع، يقول الكثير من العاملين بالجامعة إن الفكر الديني يشكل أكبر تهديد للحرية الأكاديمية.

https://www.bue.edu.eg/

ولكن في أوائل كانون الأول/ يناير، وبعد استمرار المظاهرات لعدة أسابيع، دعت إدارة الجامعة الشرطة للتدخل. وصلت الشرطة ليلاً ولم يصب أحد أثناء عملية تفريق المتظاهرين، حسب أقوال الإداريين.

وبعد عامين، قال بعض الطلاب والأساتذة إن الخطر الأكبر الذي يواجه الأمن في الجامعة هم الغرباء، مثل المتظاهرين في منوبة، حيث يمكنهم الدخول بسهولة إلى الجامعة. وقال وسيم أوسلات الطالب في السنة الأولى في جامعة منوبة والبالغ من العمر عشرين عامًا “المشكلة أن أية شجار بسيط قد يتحول إلى معركة كبيرة عندما يحضر الجميع أصدقاءهم من خارج الحرم الجامعي.”

وأضاف “المشكلة أن الأمن الجامعي لا يفحص بطاقات الهوية، وهذا يضايقني كثيرًا لأنه يؤثر في حياة الطلاب. فنحن نشعر بعدم الأمان.”

لا يرغب أوسلات، شأنه شأن غيره من الطلاب والأكاديميين من خلفيات سياسية وأيديولوجية مختلفة، في عودة الشرطة إلى الحرم الجامعي، وحتى بعض أفراد الشرطة لا يوافقون على عودة قوات أمن من الدولة.

من ناحية أخرى، يقول حسين سيدي، رئيس اتحاد الشرطة مشيرًا إلى اتحادات الطلاب المعارضة “نحن لا ندعم تدخل أمن الجامعة في شئونها، حيث ينبغي على اتحادات الطلاب، مثل UGET و UGTEالتعامل مع شئونهم الخاصة.”

ولكن هناك إجراءات محددة لاستدعاء الشرطة إلى داخل الحرم الجامعي إذا دعت الحاجة إلى ذلك، حسب تصريحات تشورا بوزارة التعليم العالي. يقول “إذا تعرضت أية مؤسسة إلى تهديد، ينبغي أن يتصل مديرها برئيس الجامعة، والذي يقوم بدوره بالاتصال بوزير التعليم العالي. وإذا قرر الوزير التدخل، سيكون على السلطات داخل وزارة التعليم أو المسئولين على المستوى المحلي الاتصال بالقضاء للسماح للشرطة بدخول الجامعة. وفي حال وجود تهديد فوري، يمكن للمحافظ المحلي استدعاء الأمن للتعامل سريعًا مع الموقف وإخطار القضاء بهذا القرار.” وأضاف “ولكن هذا لا يحدث بصفة عامة، في بعض الحالات القليلة، تدخلت الشرطة بالفعل بإذن من المحكمة.”

جامعة منوبة

لتحسين الوضع الأمني بالجامعة، يطلب البعض مساعدة قوات الأمن المستقلة والخاصة والتي تستجيب فقط لنداءات العمداء أو غيرهم من كبار مسئولي الجامعة.

يقول ملاخ “يجب ألا يكون دورهم هو قمع القيم التي تدعو إليها الجامعة، بل على العكس عليهم حماية هذه القيم. يجب أن يسمح التواجد الأمني للطلاب بممارسة حريتهم كما يحدث في كل الجامعات الديمقراطية حيث يسمح الأمن للناس بممارسة حقهم في التعبير والحرية.”

يجلس بعض أفراد الأمن على بوابة جامعة منوبة، ولكنهم غير مؤهلين، كما يقول عنهم إداريو الجامعة، فكل ما يقومون به وهو متابعة الأحداث داخل الحرم الجامعي.

يقول الحبيب الكزدغلي، والذي يتمتع بحراسة من وزارة الداخلية على مدار 24 ساعة بسبب تلقيه لتهديدات بالقتل من أصوليين يرونه رمزًا للقيم الليبرالية “نحتاج إلى أشخاص مدربين ومؤهلين لحماية الحرم الجامعي.”

يوافق يحيى بن عبد الله، والذي ينتمي لاتحاد طلابي إسلامي في جامعة تونس المنار، على ضرورة وجود حراس أمن حقيقيين. وقال إن موظفي الجامعة أحيانًا يعملون كوسطاء لتهدئة الوضع عندما تندلع الاشتباكات بين الطلاب. يعتقد يحيى أن الأمن الرسمي أكثر كفاءة، ولكن على الإداريين أن يضمنوا عدم تحول الاجراءات الوقائية إلى اجراءات قمعية.

ويقول حسين بوجارا، أستاذ بجامعة 9 إبريل في تونس وأمين عام الاتحاد العام للتعليم العالي والبحث العلمي إن وزير التعليم العالي وعد منذ عام ونصف بتعيين 500 حارس مستقل لحماية الجامعات التونسية، ولكن هذا لم يحدث أبدًا.

وبصرف النظر عن ذلك، لا يدعم كل أعضاء الجامعة هذا المنهج ويفضلون الاعتماد على شبكات الأساتذة والطلاب القائمة حاليًا.

بدوره، يقول عثمان عمر، زعيم اتحاد طلاب ليبرالي يساري في جامعة تونس المنار “هناك تضامن بين الطلاب. ففي حالة وجود هجوم خارجي أو اعتداء على الطلاب من مجرمين خارج الجامعة، نرى تضامنًا كبيرًا بين الكيان الطلابي ككل.”

أثبتت استراتيجية العمل الداخلي لمعالجة القضايا الأمنية فعاليتها في جامعة منوبة عندما أبلغ الطلاب عن انتهاك لسياسة الجامعة بتعليق ملصقات بدون إذن.

يقول الكزدغلي متحدثًا عن الحزب الإسلامي الحاكم “في الصباح، جاء بعض المنتمين إلى حزب النهضة وقاموا بتعليق الملصقات على الحوائط.” حيث أخبره أحد الطلاب بهذه الواقعة من خلال اتصال هاتفي. وأكد الكزدغلي أن “من قام بتعليق الملصقات كانوا من خارج الجامعة”.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى