أخبار وتقارير

في خضم الفوضى السياسية.. اللصوص يسرقون تراث مصر

القاهرة – اقتحم مجهولون في منطقة أبو صير مقبرة قديمة في شباط/فبراير 2011 يعود تاريخها إلى عصر الدولة القديمة، ذروة الحضارة المصرية، وأزالوا أجزاء من التصاميم الداخلية الخاصة بالمقبرة، وسرقوا عددا كبيرا من القطع الأثرية التي لا يمكن استرجاعها أبدا.

والتوابيت التي تمت سرقتها مستطيلة الشكل مسطحة من الأعلى مصنوعة من الطوب الليني الذي شاع استخدامه عند المصريين في ذلك العصر.

“يبلغ عمر هذه المقبرة أربعة آلاف ونصف سنة، ولا أحد يعلم ما الذي كان بداخلها”، قال لاديسلاف بارس عضو معهد علم المصريات في جامعة براغ والذي عمل في مصر منذ عام 1974”.

وأضاف “جزء من الأدلة الأصلية التي لم يتم التنقيب عنها فقدت، أو يفترض أنها فُقدت. وقد تكون ضاعت إلى الأبد”.

وغالبا ما يكون اختفاء هذه القطع الأثرية كتلك التي اختفت من المقابر الفرعونية في عهد أبو صير لا رجعة فيه مما يقلل من فرص حصول فهم شامل للتراث السابق في مصر. إن نهب هذه القطع التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين آخذ في التوسع على ما يبدو خاصة مع ما تشهده البلاد من اضطرابات سياسية متواصلة.

“لجهة فهمنا لثقافة مصر القديمة وتاريخها” قالت سليمة إكرام أستاذة علم المصريات بالجامعة الأميركية في القاهرة، “إننا نخسر مجموعة ضخمة من الأدلة التي من شأنها أن تسمح لنا بتفسير الحياة والموت والفكر والحياة الدينية عند قدماء المصريين”.

تأثرت شبكة الأمن في مصر بشكل كبير منذ ثورة 2011 ضد (الرئيس الأسبق) حسني مبارك وتدهورت الأوضاع الاقتصادية بسرعة. الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدلات الجرائم والاضطرابات السياسية العنيفة وزيادة تدفق الأسلحة. إذ لم يعد يخاف المجرمون من رجال القانون كما أن العديد من المواقع الأثرية والمتاحف تركت من دون حراسة. وقال خبراء إنه تم نهب مواقع لم يتم التنقيب فيها بعد، لا تعد ولا تحصى، في جميع أنحاء البلاد.

“إن عدد الأسلحة يتزايد فيما تراجع عدد الحراس الذين لا تستطيعون فعل أي شيء خاصة وأن الأسلحة التي بحوزتهم ليست أوتوماتيكية”، قالت إكرام. وأضافت أن اللصوص الآن لديهم أيضا المركبات ذات الدفع الرباعي، مما يجعل الوصول إلى المواقع الأثرية غير المحمية في وسط الصحراء أمرا سهلا.

وبحسب بعض علماء الآثار، فإن بعض اللصوص هم من القرويين الذين يقومون بالحفر بشكل اعتباطي إلا أنهم يعرفون أن بإمكانهم جني ثروات صغيرة. في حين يعمل آخرون في العصابات المنظمة التي تنتمي إلى بنية تحتية راسخة من المجرمين.

“معظمهم كانوا موجودين من قبل ولكن امبراطورياتهم تتوسع حاليا” قالت إكرام.

وتكمن الانتكاسة الرئيسية من وراء هذه الهجمات الإجرامية على المواقع غير المنقب فيها في عدم إمكانية استرداد القطع المسروقة، إذ أنها تتسبب في فقدان السياقات المكانية والتاريخية التي من شأنها أن تسمح للخبراء بتقييم أهميتها.

“سيكون من الصعب جدا تحديد مواقع هذه القطع،” قالت مونيكا حنا عالمة الآثار التي تعمل على توثيق القطع المنهوبة، مضيفة أن هذه القطع الآثرية “تقع ضمن سياق جغرافي مهم. تحكي لنا عن الكثير من الأشياء”.

من جهة أخرى، قال خبراء إن الكثير من الآثار تتعرض للتدمير بسبب الاستيلاء على الأراضي، إذ يقوم الكثير من القرويين الذين يسعون لتوسيع ممتلكاتهم من الأراضي الزراعية إلى الاستيلاء على المناطق غير المنقب فيها.

وأضاف الخبراء أن هذه الخطوة بدأت قبل الثورة ضد مبارك إلا أنها تزايدت بعد ذلك.

“بعد تلك المرحلة، لم يعد هناك في الحقيقة من سيطرة على أي شخص أو أي مكان”، قالت إكرام. “الناس يشيدون جميع أنواع الجدران ويأخذون مساحات، وبعضهم يقوم بالحفر أيضا من أجل الحصول على الآثار”.

وأضافت “هذا يعني أننا فقدنا هذه المساحة للأبد”.

“ولا يبدو أن هنالك حد للخراب” قالت حنا، ذلك أن موجة النهب ازدادت بعد موجة جديدة من الاضطرابات التي اجتاحت البلاد بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، في أوائل شهر تموز/يوليو الماضي.

“النهب، مطاردة الكنوز كان يحدث منذ آلاف السنين منذ مصر القديمة”، قالت حنا، “في الآونة الأخيرة، أصبح متزايدا”.

بعد 14 آب/أغسطس، “خرج الموضوع تماما عن السيطرة” قالت حنا. ففي ذلك اليوم قامت قوات الأمن المصرية بفض اعتصام الجماعات المؤيدة للرئيس مرسي في العاصمة مستخدمة الجرافات والمدرعات، وأطلقت النار ما تسبب بمقتل مئات من المحتجين.

في الساعات الاضطراب التالية، اقتحم مجهولون متحف ملوي جنوب محافظة المنيا. وبحسب منظمة اليونسكو فإنه تم سرقة وإحراق وتدمير حوالي 1000 قطعة أثرية تضم مجموعة من المجوهرات والتماثيل والقطع النقدية التي يعود تاريخها من حقبة بداية تاريخ مصر وصولا إلى الحقبة الإسلامية.

كما هوجمت عشرات الكنائس التاريخية في جميع أنحاء البلاد وتم إضرام النيران فيها بعدما صب المحتجون جام غضبهم نتيجة تصرفات الحكومة بحقهم ضد المسيحيين في البلاد.

“التراث الثقافي الاستثنائي لمصر ليس فقط جزءا من الماضي، يعكس تاريخها الثري والمتنوع، بل هو أيضا إرث لأجيال المستقبل، وتدميره يضعف بجدية أسس المجتمع المصري”، قالت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لمنظمة يونسكو في بيان رسمي.

وتمكنت شرطة السياحة والآثار من استعادة أكثر من 130 من القطع المسروقة من المتحف ملوي، حسبما ذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط، وقالت يونيسكو إنها تعمل بشكل وثيق مع السلطات المصرية لمكافحة النقل غير المشروع للقطع التي لا تزال في مفقودة.

وبحسب حنا، فإن القطع الكبيرة غالبا ما يتم نقلها عبر الموانئ المصرية، حيث تتم تخبئتها ضمن المواد الأولية كالرمال. في حين يتم تهريب باقي القطع عبر الحدود البرية أو المطارات.

” إنني أدين بشدة الاعتداءات ضد المؤسسات الثقافية للبلاد ونهب ممتلكاتها الثقافية”، قالت بوكوفا. “هذا يشكل ضررا لا يمكن إصلاحه لتاريخ وهوية الشعب المصري”.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى